براءة متهم من جنحة إيصال أمانة بحكم من محكمة النقض بعد ثبوت التزوير وصيرورة الحكم باتًا
حكم نادر لمحكمة النقض المصرية يقضي ببراءة متهم في جنحة إيصال أمانة، رغم صدور حكم نهائي ضده، بعد ثبوت تزوير الإيصال وفقًا لتقرير الطب الشرعي. نموذج تطبيقي للتماس إعادة النظر وفق المادة 441 إجراءات جنائية.
محكمة النقض المصرية في التماس إعادة نظر في جنحة تبديد إيصال أمانة، والتي انتهت بصدور حكم بالبراءة رغم أن الحكم السابق كان نهائيًا وباتً
حكم محكمة النقض في التماس إعادة نظر في جنحة تبديد: البراءة رغم صيرورة الحكم باتًا
محكمة النقض المصرية
الدائرة الجنائية الأحد (أ)
الوقائع
بدأت القضية بأن فوجئ المحكوم عليه بصدور حكم نهائي وبات ضده في جنحة إيصال أمانة (تبديد مبلغ مالي)، رغم أنه لم يُمثل فعليًا أمام المحكمة ولم يُبلغ علمًا بالدعوى، حيث تبيّن أن محاميًا سبق أن وكله في شأن آخر قد استخدم التوكيل للدفاع في هذه الجنحة دون علمه، مما ترتب عليه صدور حكم غيابي ثم تأييده بالمعارضة والاستئناف والمعارضة الاستئنافية، وحتى النقض، لتُستنفد بذلك كافة طرق الطعن العادية وغير العادية.
االمشكلة القانونية:
وصلت القضية إلى نهايتها بحكم بات، وهو ما يُفترض أنه يحوز قوة الأمر المقضي به، ولا يجوز إعادة طرحه مجددًا أمام القضاء. غير أن المتهم، وبعد علمه بالحكم، بادر بتقديم بلاغ رسمي إلى النيابة العامة يدفع فيه بتزوير إيصال الأمانة سند الجنحة، وأرفق ببلاغه أصل الإيصال.
وبعد تحقيقات النيابة العامة وورود تقرير مصلحة الطب الشرعي (قسم أبحاث التزييف والتزوير)، ثبت بيقين أن الإيصال مزوّر على المتهم صلبًا وتوقيعًا.
الطريق القانوني الوحيد: التماس إعادة النظر
نظرًا لكون الحكم باتًا، لم يكن أمام المتهم سوى اللجوء إلى الطريق الاستثنائي الذي رسمه القانون في المادة 441 من قانون الإجراءات الجنائية، وهو التماس إعادة النظر، واستند في التماسه إلى الحالة المنصوص عليها في البند رقم 5 من المادة 441، والتي تجيز الالتماس إذا:
"ظهر بعد الحكم أوراق أو وقائع كانت مجهولة وقت المحاكمة، من شأنها تبرئة المحكوم عليه".
نص المادة 441 من قانون الإجراءات الجنائية المصري:
"يجوز طلب إعادة النظر في الأحكام النهائية الصادرة بالعقوبة في الجنح والجنايات في الأحوال الآتية:(...)5 - إذا حدثت أو ظهرت بعد الحكم وقائع أو قُدّمت أوراق لم تكن معلومة وقت المحاكمة، وكان من شأنها إثبات براءة المحكوم عليه."
الحكم
حكم محكمة النقض:
قضت محكمة النقض بقبول التماس إعادة النظر شكلاً، وفي الموضوع بنقض الحكم الجنائي البات والقضاء ببراءة المتهم، استنادًا إلى أن:
-
الإيصال سند الجنحة مزور صلبًا وتوقيعًا على المتهم وفق ما ثبت بتقرير الطب الشرعي.
-
أن هذا الدليل لم يكن مطروحًا وقت المحاكمة، ولم يكن المتهم يعلم به أو يتمكن من إثارته، ما ينطبق على نص المادة 441/5.
-
أن بقاء الحكم رغم ثبوت التزوير يُعد إخلالاً جسيمًا بالعدالة، ويخالف القواعد الأساسية في القانون الجنائي التي تقوم على مبدأ شخصية المسؤولية الجنائية وعدم إدانة شخص بناءً على دليل ثبتت عدم صحته.
الأثر القانوني:
حاز حكم البراءة الصادر في التماس إعادة النظر قوة الشيء المقضي به، ويُعد تصحيحًا لمسار عدالة جنائية أُسيء استخدامها في بادئ الأمر من خلال مستند مزور.
❖ هذا الحكم يُجسّد ضمانة قانونية نادرة ومهمة هي إعادة طرح النزاع بعد صيرورة الحكم باتًا، حمايةً للأبرياء، في ظل توافر دليل جديد لم يكن ممكنًا تقديمه أثناء المحاكمة.
❖ كما يؤكد أهمية أن التزوير في محرر سند دعوى جنائية لا يسقط أثره حتى مع مرور الوقت أو انتهاء مراحل الطعن، ما دام قد أدى إلى صدور حكم بالإدانة.