إقرار نفقة المتعة دون التحقق من سبب الطلاق الغيابي... انحراف قضائي يستدعي تدخل المشرّع
في السنوات الأخيرة، باتت بعض أحكام محاكم الأسرة في قضايا نفقة المتعة تثير تساؤلات حقيقية حول مدى التزامها بروح القانون وعدالته، خاصة حين تُقر النفقة لمجرد وقوع الطلاق الغيابي دون التحقق من أسبابه أو مسؤولية الزوجة عنه. وفي ظل غياب رقابة محكمة النقض بعد صدور القانون رقم 1 لسنة 2000، أصبحت بعض الدوائر الاستئنافية تُرسخ لمبادئ قد تفتقر للتوازن أو الاستقرار القانوني، مما يُهدد أحد أهم ركائز العدالة الأسرية في مصر.
إن استمرار بعض محاكم الاستئناف في إقرار المتعة لمجرد وقوع الطلاق دون تحقيق السبب، يُعد انحرافًا عن روح التشريع ومخالفة لنص المادة 18 مكرر، ويؤكد الحاجة الملحة إلى عودة رقابة محكمة النقض على هذه المسائل، لضمان وحدة المبادئ وعدالة الأحكام، خصوصًا في ظل غياب نصوص تُلزم المحاكم بالتحقيق الجاد في سبب الطلاق.
نقض حكم نفقة المتعة الصادر لمجرد وقوع الطلاق غيابياً دون بحث السبب: أزمة في غياب رقابة النقض بعد قانون الأسرة رقم 1 لسنة 2000
هذا المقال القانوني النادر يناقش مخالفة محاكم الاستئناف في أحكام نفقة المتعة عند إغفال سبب الطلاق الغيابي، في ظل غياب رقابة محكمة النقض بعد إلغاء الطعن بالنقض على أحكام محاكم الأسرة وفقًا لقانون 1 لسنة 2000.
تشهد محاكم الأسرة منذ صدور القانون رقم 1 لسنة 2000 أزمة صامتة تتعلق بانعدام الرقابة العليا على أحكام الاستئناف، لا سيما في قضايا نفقة المتعة، حيث استقر في بعض الدوائر القضائية الاكتفاء بوقوع الطلاق – ولو غيابيًا – دون تمحيص أسباب التفريق أو إثبات الضرر، وهو ما أفضى إلى أحكام متعارضة قد تُخالف مبادئ العدالة وروح القانون.
هل تستحق المطلقة المتعة دائمًا؟ خطأ شائع في أحكام الطلاق الغيابي دون رقابة النقض
أولًا: نطاق نفقة المتعة في الفقه والقانون
-
حصول الطلاق.
-
كون الزوج هو المتسبب فيه دون سبب من الزوجة.
-
ألا تكون المتعة قد دُفعت أو عُوّضت بمقابل.
ويستند القانون المصري إلى هذه القواعد الفقهية، إذ تنص المادة 18 مكرر من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 على أن:
"الزوجة المدخول بها في زواج صحيح تستحق المتعة إذا طلّقها الزوج دون رضاها ولا سبب من قِبلها، ويُقدّر القاضي هذه المتعة بنفقة سنتين على الأقل..."
ثانيًا: خطأ محكمة الاستئناف في إقرار المتعة لمجرد وقوع الطلاق غيابيًا
قامت بعض دوائر محاكم الأسرة بإقرار حق الزوجة في المتعة تلقائيًا لمجرد وقوع الطلاق غيابيًا، دون البحث أو التحقيق في سبب الطلاق، وهو ما يمثل خروجًا على نص القانون ذاته الذي اشترط أن يكون الطلاق "دون رضا الزوجة ولا بسبب منها"، ويمثل أيضًا مخالفة لمبدأ توافر أركان الحكم القضائي السليم القائم على التحقق والتحقيق لا الافتراض.
محكمة الاستئناف تقر نفقة المتعة دون بحث سبب الطلاق الغيابي وسط غياب رقابة النقض بعد قانون الأسرة
وقد أدانت محكمة النقض هذا المسلك في أحكامها قبل تطبيق قانون 1 لسنة 2000، إذ قررت:
"يتعين على المحكمة عند تقدير المتعة أن تبين ما إذا كان الطلاق قد تم برضا الزوجة أو بسبب من جهتها، وإلا كان حكمها معيباً بالقصور في التسبيب."(نقض أحوال شخصية، طعن رقم 628 لسنة 60 ق جلسة 16/5/1994)
ثالثًا: أزمة غياب الطعن بالنقض بعد القانون رقم 1 لسنة 2000
ألغى قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 حق الطعن بالنقض في أحكام محاكم الأسرة (م 65)، واقتصر طريق الطعن على درجتي التقاضي الابتدائي والاستئنافي فقط.
وقد ترتب على ذلك:
-
تباين الأحكام الصادرة من دوائر الاستئناف دون رقابة عليا.
-
صدور أحكام تهدر المبادئ المستقرة لمحكمة النقض.
-
غياب التوحيد القضائي الذي كانت تؤمنه رقابة النقض.
رابعًا: ضرورة إعادة النظر في التشريع وإتاحة الرقابة العليا
إن قصر طرق الطعن في مسائل الأحوال الشخصية على الاستئناف فقط، دون تمكين المتقاضين من الرقابة العليا أمام محكمة النقض، يُعد انتقاصًا من الضمانات القانونية، لاسيما في مسائل تُمسّ الحقوق المالية والمعنوية للزوجين، وتستوجب معايير دقيقة في الإثبات.
وقد نادت دوائر فقهية وقضائية بضرورة تعديل القانون للسماح بالطعن أمام محكمة النقض في مسائل الأحوال الشخصية، أسوة بما كان معمولاً به قبل عام 2000.
الجدير بالذكر نبرز ملخصًا للنقاط الأساسية في هذا المقال
· نفقة المتعة لا تُستحق تلقائيًا: يشترط القانون المصري أن يكون الطلاق بدون
رضا الزوجة ولا بسبب منها لاستحقاق المتعة (مادة 18 مكرر من القانون 25 لسنة 1929
المعدل).
· أحكام استئناف معيبة: بعض محاكم الاستئناف تقضي بالمتعة لمجرد الطلاق الغيابي
دون بحث سبب الطلاق، بالمخالفة للنص القانوني وأحكام النقض السابقة.
· غياب رقابة محكمة النقض: بعد صدور القانون 1 لسنة 2000، أُلغيت إمكانية الطعن
بالنقض في أحكام الأسرة، مما فتح الباب لاجتهادات متعارضة دون توحيد.
· خطر على وحدة المبادئ: استمرار إصدار أحكام دون رقابة عليا يُعرض المنظومة
القضائية الأسرية لعدم الاتساق والاضطراب.
· دعوة لتعديل تشريعي: هناك حاجة مُلحّة لإعادة النظر في قانون الأسرة وإعادة
إتاحة الطعن بالنقض في بعض القضايا لضمان عدالة الأحكام.