في إطار الأحكام الجنائية، يُلقي موقع «الناس والقانون» الضوء في هذا التقرير على مبدأ قانوني هام مؤدّاه أن القضاء بالبراءة يقتضي أن يشتمل الحكم على ما يفيد أن المحكمة قد محصت الدعوى وأحاطت بظروفها عن بصرٍ وبصيرةٍ، بما يكشف عن تمحيصها لأدلة الاتهام والنفي وموازنتها بينها.
كما يوضح التقرير أن قيام حالة التلبس يستوجب تحقق مأمور الضبط القضائي من وقوع الجريمة بمشاهدتها بنفسه أو إدراكها بإحدى حواسه، إذ لا تقوم هذه الحالة على مجرد الظن أو الشك، بل على الإدراك اليقيني المباشر لواقعة الجريمة حال وقوعها.
ويُبين كذلك أن بطلان الاستيقاف يترتب عليه قانونًا عدم التعويل في الحكم بالإدانة على أي دليل يكون مستمدًا منه، لما يشوب هذا الإجراء من مخالفة لضوابط المشروعية وضمانات الحرية الشخصية التي كفلها الدستور والقانون.
✍️ بقلم: الأستاذ أشرف فؤاد – المحامي بالنقض
باسم الشعب
جلسة الخميس ( د ) الموافق ٩ من يونية سنة ٢٠١٩
محكمــة النقــض المصريةالدوائر الجنائيةالطعن رقم ٦٥٦٧ لسنة ٨٨ قضائيةجلسة ٢٠١٩/٠٦/٠٩
برئاسة السيد المستشار/ عمر بريك"نائب رئيس المحكمة" وعضوية السادة المستشارين / محمد العكازي ، عبدالله فتحي "نائبي رئيس المحكمة" محمد وئام عبدالله و خالد مصطفى
العــنوان
مواد مخدرة . إثبات " بوجه عام " . حكم " تسبيبه . تسبيب معيب " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل" . تلبس . قبض . دفوع " الدفع ببطلان القبض والتفتيش ". نقض " أسباب الطعن . ما يقبل منها" .
الموجز :
شرط القضاء بالبراءة أن يشتمل الحكم على ان المحكمة قد محصت الدعوى واحاطت بظروفها عن بصر و بصيرة. على المحكمة ألا تبنى حكمها إلا على أسس صحيحة من أوراق الدعوى وعناصرها وأن يكون دليلها قائماً فيها . إقامة الحكم قضائه على ما لا أصل له في التحقيقات . يبطله . القبض على المتهم و تفتيشه لمجرد اخبار المصدر السري للضابط بانه يقوم بالاتجار في المواد المخدرة.لايوفر حالة التلبس. مثال سائغ بعدم توافر حالة التلبس.
القاعدة
(١)مواد مخدرة. إثبات " بوجه عام ". حكم " تسبيبه . تسبيب معيب " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل" . تلبس . قبض . دفوع " الدفع ببطلان القبض والتفتيش ". نقض " أسباب الطعن . ما يقبل منها".
شرط القضاء بالبراءة أن يشتمل الحكم على ان المحكمة قد محصت الدعوى واحطت بظروفها عن بصر و بصيرة.
على المحكمة ألا تبنى حكمها إلا على أسس صحيحة من أوراق الدعوى وعناصرها وأن يكون دليلها قائماً فيها .
إقامة الحكم قضائه على ما لا أصل له في التحقيقات . يبطله .
القبض على المتهم و تفتيشه لمجرد اخبار المصدر السري للضابط بانه يقوم بالاتجار في المواد المخدرة.لايوفر حالة التلبس.
مثال سائغ بعدم توافر حالة التلبس.
(٢)تلبس . مأموري الضبط القضائي " سلطاتهم " تفتيش " التفتيش بغير إذن".. حكم " تسبيبه . تسبيب معيب ". دفوع " الدفع ببطلان القبض والتفتيش " .نقض " أسباب الطعن . ما يقبل منها".
وجود مظاهر خارجية تنبئ بذاتها عن وقوع الجريمة . كفايته لقيام حالة التلبس . تبين المادة عند المشاهدة . غير لازم .ضبط المتهم بعد مشاهدته يقوم بتبادل النقود بلفافات مخدرة مع أخر يوفر حالة التلبس.
مخالفة الحكم المطعون فيه هذا النظر و قضاءه ببراءة المطعون ضده . خطأ في تطبيق القانون . يستوجب نقضه ؟
مثال لتسبيب معيب على انتفاء حالة التلبس لحكم صادر بالبراءة في جريمة احراز جوهر مخدر بقصد الاتجار.
الـوقـائـــع
اتهمت النيابة العامة المطعون ضده ....... في قضية الجناية رقم ......لسنة ٢٠١٧ قسم الضواحي (والمقيدة بالجدول الكلي برقم ....... سنة ٢٠١٧ بور سعيد ) بأنه في يوم ١٩ من أغسطس سنة ٢٠١٧ بدائرة قسم الضواحي – محافظة بورسعيد:-
-أحرز بقصد الاتجار نبات الحشيش المخدر " القنب " في غير الأحوال المصرح بها قانوناً.
وأحالته إلى محكمة جنايات بورسعيد لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
المحكمة المذكورة قضت حضورياً في ١٧ من ديسمبر لسنة ٢٠١٧ ببراءته مما أسند إليه ، وأمرت بمصادرة النبات المخدر المضبوط . فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض في ١٠ من فبراير سنة ٢٠١٨.
وأودعت مذكرة بأسباب الطعن بالنقض في ذات التاريخ موقع عليها من المحامي العام الأول المقرر بالطعن.
وبجلسة اليوم سُمِعَت المرافعة على ما هو مبين بمحضر الجلسة.
المحكمـــة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانونًا:-
حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
أسباب الطعن بالنقض: القصور في التسبيب ومخالفة الثابت بالأوراق
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة – النيابة العامة – على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضده من تهمة إحراز جوهر الحشيش المخدر بقصد الاتجار قد شابه القصور في التسبيب ومخالفة الثابت بالأوراق.
ذلك بأنه انتهى إلى بطلان القبض والتفتيش لعدم توافر أية حالة من حالات التلبس لعدم رؤية الضابط لمحتوى اللفافة التي تبادلها المطعون ضده مع شخص آخر مما لا يوفر حالة التلبس بالجريمة كما هي معرفة بالقانون، وذلك بالمخالفة لما هو ثابت بالأوراق وما أثبته ضابط الواقعة بمحضره وقرره بالتحقيقات من أنه قام بضبط المطعون ضده عقب رؤيته مخرجاً كيساً شفافاً يظهر بداخله نبات عشبي يشبه البانجو المخدر محاولاً إعطائه لآخر، وهو ما يوفر حالة التلبس بكافة شروطها، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وقائع الدعوى كما أوردها الحكم المطعون فيه
وحيث إن الحكم المطعون فيه وعند بيانه لواقعة الدعوى أورد ما مفاده "أنه وحالة مرور ضابط الواقعة بناحية قسم شرطة ...... ورد إليه اتصال هاتفي باتجار المتهم "المطعون ضده" بالمواد المخدرة، فانتقل إلى مكان تواجده فأبصره مع آخر مجهول حال كونه ممسكاً بكيس بلاستيك بداخله لفافات لنبات "الحشيش".
فضبطه ولاذ الآخر بالفرار، وبتفتيشه الكيس عثر بداخله على تسع لفافات لنبات الحشيش المخدر.
الأساس القانوني لحالة التلبس في القانون المصري
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن حالة التلبس تستوجب أن يتحقق مأمور الضبط من قيام الجريمة بمشاهدتها بنفسه أو إدراكها بحاسة من حواسه، ولا يغنيه عن ذلك تلقيه نبأها عن طريق النقل من الغير، شاهداً كان أو متهماً يقر على نفسه، مادام هو لم يشهدها أو يشهد أثراً من آثارها ينبئ بذاته عن وقوعها.
ولما كان الضابط قد قبض على المتهم وفتشه لمجرد إخباره من مصدره السري باتجار المتهم في المواد المخدرة ويقوم ببيعها بالطريق العام، ورؤية الضابط له يتبادل النقود بإحدى اللفافات دون أن يتبين محتواها أو كنيتها، فإن ذلك لا يوفر حالة التلبس بالجريمة كما هي معرفة، ولا تعد من الدلائل الكافية التي تجيز القبض على المتهم وتفتيشه، فإن القبض على ذلك يكون باطلاً، ويترتب عليه بطلان التفتيش والعثور على نبات الحشيش المخدر.
خلو الدعوى من دليل كافٍ لإدانة المتهم
وكانت الدعوى – على السياق المتقدم – لا يوجد فيها دليل يصح الاستناد عليه لإدانة المتهم.
ولما كان ذلك، وكان من المقرر أن محكمة الموضوع وإن كان لها أن تقضي بالبراءة متى تشككت في صحة إسناد التهمة إلى المتهم أو لعدم كفاية أدلة الثبوت، غير أن ذلك مشروط بأن يشتمل حكمها على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها عن بصر وبصيرة.
ضرورة قيام الأحكام على أسس صحيحة من الأوراق
وأن الأحكام يجب أن تبنى على أسس صحيحة من أوراق الدعوى وعناصرها، فإذا استند الحكم إلى واقعة لا أصل لها في التحقيقات، فإنه يكون معيباً لابتنائه على أساس فاسد متى كانت هذه الواقعة هي عماد الحكم.
دفع النيابة العامة وأساس الطعن
لما كان ذلك، وكانت الطاعنة – النيابة العامة – تنعى بمذكرة أسباب طعنها على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضده من جريمة إحراز جوهر الحشيش المخدر بقصد الاتجار في غير الأحوال المصرح بها قانوناً، وأقام الحكم قضاءه بالبراءة على ما لا أصل له في الأوراق بمقولة أن ضابط الواقعة قد قبض على المتهم وفتشه لمجرد إخباره من مصدر سري باتجار المتهم في المواد المخدرة ويقوم ببيعها بالطريق العام، ورؤية الضابط له يتبادل النقود بإحدى اللفافات التي لم يتبين محتواها أو كنهها، فإن ذلك لا يوفر حالة من حالات التلبس بالجريمة كما هي معرفة ولا تعد في صورة الدعوى من الدلائل التي تجيز القبض على المتهم وتفتيشه.
مخالفة الحكم للثابت بالأوراق
ولما كان ذلك، وكان البيّن من الاطلاع على المفردات – التي أمرت المحكمة بضمها فضُمت – أن ضابط الواقعة لم يرد بمحضره أو أقواله بتحقيقات النيابة العامة ما حصله الحكم من أنه قبض على المتهم وفتشه لمجرد إخباره من مصدر سري باتجار المتهم في المخدرات ويقوم ببيعها بالطريق العام ورؤية الضابط له يتبادل النقود بإحدى اللفافات دون أن يتبين محتواها أو كنيتها، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد استند إلى ما لا أصل له بالأوراق، واستدل على القبض والتفتيش بأدلة لا تظاهر هذا الاستدلال.
المبدأ القانوني المستقر في محكمة النقض
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأحكام يجب أن تبنى على أسس صحيحة من أوراق الدعوى وعناصرها، فإذا استند الحكم إلى واقعة لا أصل لها في التحقيقات، فإنه يكون معيباً على أساس فاسد متى كانت هذه الواقعة عماد الحكم.
ولما كان يكفي لقيام حالة التلبس أن تكون هناك مظاهر خارجية تنبئ بذاتها عن وقوع الجريمة، والتحقق من ذلك يكون بأي حاسة من الحواس، متى كان هذا التحقق بطريقة يقينية لا تحتمل شكاً، ويستوي في ذلك أن يكون المخدر ظاهراً أو غير ظاهر.
توافر حالة التلبس في الواقعة محل الطعن
لما كان ذلك، وكانت صورة الواقعة – حسبما أوردها الحكم في مدوناته – أن ضبط المخدر الذي كان في حيازة المطعون ضده قد تم عقب مشاهدة الضابط له وهو يقف مع آخر مجهول ويقوم بتبادل النقود بإحدى اللفافات، وما أثبته الحكم – على هذا النحو – يوفر حالة التلبس بجريمة إحراز مخدر، مما يسوغ قانوناً القبض على المطعون ضده.
مخالفة الحكم للنظر الصحيح في القانون
الحكم
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وتحديد جلسة ..... من نوفمبر ..... لنظر الموضوع وعلى النيابة إعلان المتهم والشهود.
 
