النصالح في جناية الإستيلاء والإختلاس على أموال أميرية طبقاً للمادة ١٨ مكرراً (ب) من القانون رقم ١٦ لسنة ٢٠١٥

النصالح في جناية الإستيلاء والإختلاس على أموال أميرية – في سياق التقرير التالي تلقي «الناس والقانون» الضوء علي « أثر النصالح والصلح في جناية الإستيلاء والإختلاس على أموال أميرية طبقاً للمادة ١٨ مكرراً (ب) من القانون رقم ١٦ لسنة ٢٠١٥» حيث جاءت المادة ١٨ مكرراً (ب) من القانون رقم ١٦ لسنة ٢٠١٥ بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات . مفادها :

اختلاف أثر التصالح في جريمتي الاختلاس والاستيلاء على أموال عامة بصيرورة الحكم باتاً من عدمه . طبيعه التصالح وأثره . انقضاء الدعوى الجنائية أو وقف تنفيذ العقوبة حسب الأحوال . للمتهم أن يتمسك بالصلح إذا ما رجح الإدانة أو تجنباً للمساس الأدبي بوقوفه أمام السلطات القضائية وله أن يرفضه إذا ما رجح البراءة .

النص في المادة ١٨ مكرراً (ب) من القانون رقم ١٦ لسنة ٢٠١٥ بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات فيما تضمنه من انقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح . يتحقق به القانون الأصلح للمتهم . المادة الخامسة عقوبات . عدم تقديم الطاعنين ما يفيد تصالحهما أثناء نظر الطعن أمام محكمة النقض . أثر ذلك : عدم وجوب تطبيق النص المذكور . قضاء محكمة النقض لا يمنع من استيفاء التصالح وطلب وقف تنفيذ العقوبة .. بحسب الخبير القانوني “أشرف فؤاد” المحامي بالنقض. 

النصالح في جناية الإستيلاء والإختلاس على أموال أميرية طبقاً للمادة ١٨ مكرراً (ب) من القانون رقم ١٦ لسنة ٢٠١٥
النصالح في جناية الإستيلاء والإختلاس على أموال أميرية طبقاً للمادة ١٨ مكرراً (ب) من القانون رقم ١٦ لسنة ٢٠١٥

النصالح والصلح في جناية الإستيلاء والإختلاس على أموال أميرية طبقاً للمادة ١٨ مكرراً (ب) من القانون رقم ١٦ لسنة ٢٠١٥

حكم

بإسم الشعب

محكمة النقض المصرية

الدوائر الجنائية

الطعن رقم ٣٩٢١٧ لسنة ٨٥ قضائية

الطعن رقم 39217 لسنة 85 قضائية

جلسة ٢٠١٨/٠١/٢٠

العنوان :

قانون ” القانون الاصلح ” . استيلاء على أموال أميرية . اختلاس أموال أميرية . نظام عام . دعوى جنائية ” انقضاؤها بالتصالح . صلح . حكم ” تسبيبه . تسبيب غير معيب ” . دفاع ” الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره ” . نقض ” نظر الطعن والحكم فيه ” . مراجعة

الموجز :

المادة ١٨ مكرراً (ب) من القانون رقم ١٦ لسنة ٢٠١٥ بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات . مفادها ؟ اختلاف أثر التصالح في جريمتي الاختلاس والاستيلاء على أموال عامة بصيرورة الحكم باتاً من عدمه . طبيعه التصالح وأثره . انقضاء الدعوى الجنائية أو وقف تنفيذ العقوبة حسب الأحوال .

للمتهم أن يتمسك بالصلح إذا ما رجح الإدانة أو تجنباً للمساس الأدبي بوقوفه أمام السلطات القضائية وله أن يرفضه إذا ما رجح البراءة . النص في المادة سالفة الذكر فيما تضمنه من انقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح . يتحقق به القانون الأصلح للمتهم . المادة الخامسة عقوبات .

عدم تقديم الطاعنين ما يفيد تصالحهما أثناء نظر الطعن أمام محكمة النقض . أثر ذلك : عدم وجوب تطبيق النص المذكور . قضاء محكمة النقض لا يمنع من استيفاء التصالح وطلب وقف تنفيذ العقوبة .

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانوناً :

أولا: – عن الطعن المقدم من الطاعن الأول (عقيل حسن نظام): –

من حيث إن المادة ٤١ من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٥٩ ، إذ نصت على أنه يسقط الطعن المرفوع من المتهم المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية إذا لم يتقدم للتنفيذ قبل يوم الجلسة ،

فقد دلت بذلك على أن سقوط الطعن هو جزاء وجوبي يقضى به على الطاعن الهارب من تنفيذ العقوبة إذا لم يتقدم لتنفيذها قبل يوم الجلسة التي حددت لنظر الطعن باعتبار أن الطعن بطريق النقض لا يرد إلا على حكم نهائي وأن التقرير به لا يترتب عليه – وفقاً للمادة ٤٦٩ من قانون الإجراءات الجنائية – إيقاف تنفيذ العقوبات المقيدة للحرية المقضي بها بالأحكام الواجبة التنفيذ .

لما كان ذلك ، وكان الطاعن – على ما أفصحت عنه النيابة العامة بكتابها المرفق – لم يتقدم لتنفيذ العقوبة المقيدة للحرية المقضي بها عليه قبل يوم الجلسة ، فإنه يتعين الحكم بسقوط الطعن .

ثانيا: – عن الطعن المقدم من الطاعنين ( رجاء محمد مصطفي المراغي ، محمود محمد محمود سليمان بياض ): –

من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية المقررة فى القانون .

أسباب الطعن بالمقض : (لتناقض فى التسبيب – الفساد فى الاستدلال – انطوي على الخطأ في تطبيق القانون -الاخلال بحق الدفاع)

وحيث إن ما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه – بمذكرات أسباب طعنهما الثلاث – أنه إذ دان الطاعنة الثانية بجرائم الاختلاس والاستيلاء وتسهيل الاستيلاء بغير حق على أموال عامة المرتبطة بجرائم التزوير فى محررات رسمية والاشتراك فيها واستعمالها مع العلم بتزويرها ودان الطاعن الثالث بجريمة الاستيلاء وتسهيل الاستيلاء بغير حق على أموال عامة ،

قد شابه القصور ، والتناقض فى التسبيب ، والفساد فى الاستدلال ، وانطوي على الخطأ في تطبيق القانون ، والاخلال بحق الدفاع ؛ ذلك أنه جاء فى عبارات شابها الغموض لا يبين منها واقعة الدعوى وظروفها وأركان الجرائم التي دانهما بها فى بيان كاف ،

كما لم يبين مضمون الأدلة التي عول عليها فى الإدانة ويذكر مؤداها بطريقة وافية ، ولم يستظهر القصد الجنائي لديهما ، وأن ما أورده من أدلة وما استخلصه لا يتوافر به الاشتراك فى الجرائم المشار إليها ،

كما لم يبين بوضوح وتفصيل مفردات المبالغ موضوع الاختلاس والاستيلاء وتسهيله وقيمة الايصالات الأصلية وقيمتها بعد تزويرها ، واستندت المحكمة فى إدانتهما إلى ما انتهى إليه تقريري أبحاث التزييف والتزوير واللجنة المشكلة من البنك المركزي دون أن يعن ببيان مضمونهما أو مؤداهما ،

ولم تَطلع المحكمة على الأوراق المقول بتزويرها كما لم تُطلع دفاع الطاعنين عليها ولم تبين مضمونها وموطن التزوير فيها وكيفية حدوثه والدليل عليه ،

هذا إلى أن الدعوى الجنائية حركت خلافاً لما تقضي به المادة ٦٥ من قانون البنوك الصادر بالقانون رقم ٦٣ لسنة ١٩٥٧المعدل من وجوب رفعها بناء على طلب من وزير الاقتصاد بعد أخذ رأي محافظ البنك المركزي ،

وأضافت الطاعنة الثانية أن الحكم استند فى قضائه إلى أدلة ووقائع تساند إليها قضاء الحكم المنقوض ، ولم يدلل على توافر أركان جريمة الأضرار العمدي فى حقها ، ولم يعن بالإشارة إلى ما تضمنه تقرير خبراء وزارة العدل ،

كما لم يعن بدفاع الطاعن الأول القائم على أن المبلغ الذي قام برده للبنك تجاوز المبلغ المدعى باختلاسه وأثر ذلك فيما تضمنه الحكم من إلزام الطاعنين جميعاً متضامنين بالرد ، فضلاً عن عدم تحقق المحكمة من صحة ما قام برده من أشياء عينية ،

كما أن الحكم قد شابه الاضطراب إذ نسب للطاعنين الاستيلاء على مبلغ ٥١ ، ٣,٠٥٩,١٥٩ جنيه رغم ما أورده فى مدوناته أن هذا المبلغ ناتج عما لحق البنك من خسارة جراء أعمال المضاربات ، وأورد الحكم فى مدوناته اشتراك الطاعنة مع الطاعن الأول فى تزوير إيصال السحب رقم ١١٩٨٦ بطريق المحو والإضافة.

ثم عاد فى موضع آخر ونفى عنها هذا الاشتراك مما يصمه بالتناقض ، وأضاف الطاعن الثالث أن الحكم أغفل بيان مفردات مبلغ الغرامة المقضي بها ، وألزمهما برده إذ لا يكفي أن تكون تلك المبالغ موضحة بتقارير اللجان التي قامت بالفحص والحصر وأن يكون الحكم قد أحال في بيانها إلى تلك التقارير ،

واطرح الدفع بعدم جدية التحريات التي صدر بناء عليها الإذن بالضبط والتفتيش بما لا يسوغ به اطراحه ، وتساند فى قضائه بالإدانة إلى إقرارات الطاعنين بالتحقيقات وجلسة المحاكمة ثم اقتصر فى بيان تحصيلها ومؤداها على ما جاء بالتحقيقات ،

ولم يدلل تدليلاً كافياً على توافر أركان جريمة الاتفاق الجنائي بركنيها المادي والمعنوي ، كما لم يستظهر القصد الجنائي فى جريمتي التزوير والإضرار العمدي بالمال العام ،

وانتهى في معرض رده على دفع الطاعن الأول – بعدم صحة ما ورد بالإقرار الصادر منه لكونه وليد إكراه – إلى مسئوليته عن جميع المبالغ التي تم الاستيلاء عليها ثم انتهى إلى إدانته بالاشتراك مع الطاعن الأول فى جريمة الاستيلاء على أموال البنك مما يصمه بالتناقض ،

ولم يأبه الحكم بأقوال وديع عبد الله خليل بالتحقيقات والذي شهد بانتفاء وجود تواطؤ بين الطاعنين وعدم وجود ضرر مالي لحق بالبنك من جراء صرف بدلات الحضور،

وقصَّر الحكم فى استظهار انصراف نية المتهم الثاني نبيل محمد مصطفي – التي انقضت الدعوى الجنائية بوفاته – إلى الاستيلاء على المال العام من جراء أعمال المضاربات بالعملة الأجنبية ، كما لم يدلل على اشتراكه

مع الطاعن الأول فى الاستيلاء على مبلغ ١٨٠, ١٢٩ جنيه وأن توقيعه على ايصالات السحب أرقام ٥٦٠٢٣ ، ٦٥٠٣٦ ، ٥٦٠٤١ ، ٥٦٠١٦ والشيك رقم ٨٦٦٨ ليس دليلاً على الاشتراك ،

هذا فضلاً عن أن ما قام به من إجراء بنود وهمية لتسوية أعمال المضاربات لا يعدو أن يكون جنحة طبقا لنص المادة ١١٣ / ٣ من قانون العقوبات ،

وأخيراً قام دفاع الطاعن على عدم تواجده بمقر عمله بالبنك حال العثور على دفتر الفواتير بمكتبه بمعرفة لجنة الفحص فضلاً عن أن تحريره لتلك الفواتير كان بناء على رغبه رئيسه فى العمل ، ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه .

ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها فى حقهما أدلة سائغة من شأنه أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها .

لما كان ذلك ، وكانت المادة ٣١٠ من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت فى كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعنين بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها منهم .

وكان من المقرر كذلك أنه ينبغي ألا يكون الحكم مشوباً بإجمال أو إبهام مما يتعذر معه تبين مدى صحة الحكم من فساده فى التطبيق القانوني على واقعة الدعوى ، إلا أنه من المقرر أيضاً أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها .

لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد مؤدى الأدلة فى بيان كاف، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة مما يكون معه منعى الطاعنين على الحكم بأنه شابه القصور والغموض والإبهام وعدم إلمام المحكمة بوقائع الدعوى وأدلتها لا محل له .

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن جريمة الاختلاس المنصوص عليها فى المادة ١١٢ من قانون العقوبات تتحقق إذا كانت الأموال أو الأشياء المختلسة قد وجدت فى حيازة الموظف العام أو من فى حكمه بسبب وظيفته ،

يستوي فى ذلك أن تكون هذه الأموال أو الأشياء قد سلمت إليه تسليماً مادياً ، أو وجدت بين يديه بمقتضى وظيفته ، وأن جريمة الاستيلاء المنصوص عليها فى المادة ١١٣ من قانون العقوبات ، تتحقق أركانها متى استولى الموظف العام أو من فى حكمه بغير حق على مال للدولة أو لإحدى الجهات المنصوص عليها فى المادة ١١٩ من ذات القانون ،

ولو لم يكن هذا المال فى حيازته ، أو لم يكن من العاملين بالجهة التي تم له الاستيلاء على مالها ، وذلك بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة بنية تملكه وإضاعته على ربه ،

وكان من المقرر أنه لا يشترط لإثبات جريمة الاختلاس أو الاستيلاء على المال العام المنصوص عليهما فى الباب الرابع من قانون العقوبات طريقة خاصة غير طرق الاستدلال العامة ،

بل يكفي كما هو الحال فى سائر الجرائم بحسب الأصل أن تقتنع المحكمة – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – بوقوع الفعل المكون لهما من أي دليل أو قرينة تقدم إليها مهما كانت قيمة المال موضوع الجريمة ،

وكان ما أورده الحكم كافياً وسائغاً فى التدليل على توافر جريمتي الاختلاس والاستيلاء بغير حق على المال العام فى حق الطاعنين بأركانهما المادية والمعنوية ، إذ لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً على توافر القصد الجنائي فى هاتين الجريمتين ، بل يكفي أن يكون ما أورده من وقائع وظروف دالاً على قيامه – كما هو فى الدعوى الراهنة –

ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم فى هذا الصدد يكون غير سديد .

لما كان ذلك ، وكان من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الأصل فى المحاكمات الجنائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه ، فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه ، ولما كان القانون الجنائي لم يجعل لإثبات جريمتي الاختلاس والاستيلاء بغير حق على المال العام طريقاً خاصاً ،

وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى ، إذ الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة فى اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ،

وكان لا يلزم أن يتحدث الحكم صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركان جريمتي الاختلاس والاستيلاء بغير حق على المال العام وتسهيله ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت ارتكاب الطاعنين للجرائم التي دانهما بها ،

وكانت الأدلة التي عول عليها الحكم فى الإدانة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها من مقارفة الطاعنين لتلك الجرائم ، ومن ثم فلا محل لما يثيره الطاعنان من قصور الحكم فى التدليل على توافر أركان الجرائم فى حقهما واستناده إلى أدلة لا تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، لأنه لا يعدو وأن يكون جدلاً موضوعياً فى تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .

لما كان ذلك ، وكان القصد الجنائي في جريمة التزوير يتحقق من تعمد الجاني تغيير الحقيقة فى المحرر مع انتواء استعماله في الغرض الذي من أجله غيرت الحقيقة فيه واستخلاص هذا القصد من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع فى ضوء الظروف المطروحة عليها وليس بلازم أن يتحدث الحكم عنه صراحة وعلى استقلال ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه وهو ما وفره الحكم المطعون فيه .

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الاشتراك بطريق الاتفاق إنما يتكون من اتحاد نية الفاعل والشريك على ارتكاب الفعل المتفق عليه وهذه النية من مخبآت الصدور ودخائل النفس التي لا تقع عادة تحت الحس وليس لها أمارات ظاهرة ،

وللقاضي الجنائي إذا لم يقم على الاتفاق دليل مباشر أن يستدل على ذلك بطريق الاستنتاج والقرائن التي تقوم لديه ما دام هذا الاستنتاج سائغاً وله من ظروف الدعوى ما يبرره .

ومن المقرر أن الاشتراك في التزوير يتم غالباً دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه ، ومن ثم يكفي لثبوته أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها ،

وأن يكون اعتقادها سائغاً تبرره الوقائع التي أثبتها الحكم ، وكان الحكم المطعون فيه فى سرده لوقائع الدعوى ومؤدي أدلة الثبوت فيها قد أورد من الأدلة القولية والفنية ما يكشف عن اعتقاد المحكمة باشتراك الطاعنين مع المتهمين الآخرين على ارتكاب جرائم التزوير والاختلاس والاستيلاء وتسهيل الاستيلاء على مال عام بغير حق ، فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه طالما أنه أورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجرائم المسندة إليهما ولا عليه أن يتعقبهما فى كل جزئية من جزئيات دفاعهما لأن مفاده التفاته عنها أنه اطرحها ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان فى هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي فى تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب ، ويضحي النعي على الحكم بقالة القصور فى التسبيب لعدم استظهار عناصر الاشتراك والتدليل على توافره فى حق الطاعنين غير قويم .

لما كان ذلك ، وكان الثابت من الحكم أن المبلغ الذي دين الطاعنان باختلاسه والاستيلاء عليه بغير حق هو بذاته المبلغ الذي ورد بأمر الإحالة بغير إضافة مبالغ أخري تخرج عن مجموعه ، وكان الطاعنان لا ينازعان فى مقدار هذا المبلغ فإنه لا جدوى مما يثيراه من أن الحكم لم يورد مفرداته مجزأة ، هذا فضلاً عن أن الثابت من تقرير أبحاث التزييف والتزوير والذي عول عليه الحكم فى قضائه أنه قد أوضح بطريقة وافية قيمة الإيصالات الأصلية وقيمتها المعدلة

بعد تزويرها وبتواريخ محدده وكان الطاعنان لم ينازعا أمام محكمة الموضوع فى مفردات المبلغ المتهمان باختلاسه والاستيلاء عليه بغير حق فليس لهما أن يبديا هذا النعي لأول مرة أمام محكمة النقض .

لما كان ذلك ، وكان ما أورده الحكم بمدوناته نقلاً عن تقرير أبحاث التزييف والتزوير كافياً فى بيان مضمون ذلك التقرير الذي عول عليه فى قضائه فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه ، هذا إلى أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص تقرير الخبير بكل فحواه وأجزائه ومن ثم تنتفي عن الحكم دعوى القصور فى هذا المنحى .

لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد بين عند تحصيله مؤدى شهادة شاهد الإثبات الأول ومؤدى تقرير لجنة الفحص المشكلة بمعرفة البنك المركزي بياناً كافياً ، وكان لا يعيب الحكم بعد ذلك عدم تكرار سرده لهذا التقرير ويضحى ما يثيره الطاعنان فى هذا الخصوص فى غير محله .

لما كان ذلك ، وكان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة التي مثل بها الطاعنين والمدافعين عنهما أن المحكمة قامت بفض الحرز المحتوي على المستندات المزورة فغدت محتوياتها معروضة على بساط البحث والمناقشة ، ومكنت الدفاع من الاطلاع عليه،

وكان الأصل طبقاً لنص المادة ٣٠ من المرسوم بقانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٥٩ أن الإجراءات قد روعيت ، وكان لا سند لإلزام المحكمة بأن تثبت ماهية الأوراق المزورة التي تحتوي عليها الأحراز ومضمونها بمحضر جلسة المحاكمة أو صلب الحكم ، وكان المحضر ذاك حجة بما أُثبت فيه ، بحيث لا يجوز ادعاء عكسه

إلا بطريق الطعن بالتزوير وهو ما لم يفعله الطاعنان ، فإن ما يثيره الطاعنان فى هذا الشأن يكون غير مقبول .

لما كان ذلك ، وكانت المحكمة لا تلتزم بأن تتبع المتهم فى مناحي دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت

التي أوردها الحكم ، ومن ثم فإن ما تثيره الطاعنة الثانية جميعه بشأن جريمة التزوير لا يكون له محل ، هذا إلى انتفاء مصلحة الطاعنة فى النعي على الحكم بأوجه تتصل بجريمة التزوير طالما أن العقوبة المقضي بها تدخل فى حدود العقوبة المقررة لجناية الاستيلاء التي دانها الحكم بها مجردة من الظرف المشدد الخاص بارتباطها بجريمة تزوير محرر أو استعماله .

لما كان ذلك ، ولئن كانت المادة ٦٥ من قانون البنوك رقم ١٦٣ لسنة ١٩٥٧ المعدل نصت على أنه لا يجوز رفع الدعوى الجنائية فى الجرائم المنصوص عليها فى هذا القانون أو فى المادتين ١١٦ مكرراً ، ١١٦ مكرراً (أ) من قانون العقوبات إلا بناء على طلب من وزير الاقتصاد بعد أخذ رأي محافظ البنك المركزي ،

إلا أنه من المقرر أيضاً أن الأصل المقرر بمقتضى المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية أن النيابة العامة تختص دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها طبقاً للقانون واختصاصها فى هذا الشأن مطلق لا يرد عليه القيد إلا باستثناء من نص الشارع ، كما أن قيد حرية النيابة العامة فى تحريك الدعوى الجنائية أمر استثنائي ينبغي عدم التوسع فى تفسيره وقصره على أضيق نطاق على الجريمة التي خصها القانون بضرورة تقديم شكوي أو طلب أو إذن دون سواها ولو كانت مرتبطة بها .

لما كان ذلك ، وكانت جريمتي الاختلاس والاستيلاء وتسهيل الاستيلاء بغير حق على المال العام ليستا من الجرائم التي عُددت حصراً فى الفقرة الثانية من المادة التاسعة من قانون الإجراءات الجنائية والتي لا يتوقف رفع الدعوى الجنائية فيهما على طلب من وزير الاقتصاد فإن ما يثيره الطاعنون فى هذا الخصوص يعد دفعاً قانونياً ظاهر البطلان لا تلتزم المحكمة بالرد عليه ، ويضحى منعى الطاعنين

في هذا الصدد لا يصادف محلاً ، ولا يعيب الحكم المطعون عليه فى هذا الصدد ما استطرد إليه من تقرير قانوني خاطئ باستناده إلى كتاب وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية المؤرخ ١٧

من مايو سنة ١٩٩٧ بالموافقة على اتخاذ الإجراءات القانونية فى الدعوى .

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن نقض الحكم يعيد الدعوى إلى محكمة الإعادة بحالتها الأولى قبل صدور الحكم المنقوض ، وتجرى فيها المحاكمة على ما هو ثابت بالأوراق وأنه لا يترتب على إعادة المحاكمة إهدار الأدلة والإجراءات الصحيحة التي تضمنتها أوراق الدعوى بل تظل قائمة ومعتبرة،

وللمحكمة أن تستند إليها فى قضائها ولا ينال من عقيدتها أو يعيب حكمها أن تكون هي بذاتها التي عول عليها الحكم المنقوض بل ولها أن تورد فى حكمها الأسباب التي اتخذها الحكم المنقوض أسباباً لحكمها ما دامت تصلح فى ذاتها لإقامة قضائها بالإدانة ومن ثم يكون منعى الطاعنة الثانية فى هذا الخصوص غير سديد .

لما كان ذلك ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه دان الطاعنة بجرائم الاختلاس والاستيلاء وتسهيل الاستيلاء بغير حق

على أموال عامة المرتبطة بجرائم التزوير فى محررات رسمية والاشتراك فيها واستعمالها وليس بجريمة الإضرار العمدي ، فإن النعي على الحكم بالقصور فى استظهار أركان الجريمة الأخيرة يكون وارداً على غير محل .

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والمفاضلة بين تقاريرهم والفصل فيما يوجه إليها من اعتراضات ومطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير شأنها فى ذلك شأن سائر الأدلة ،

ولها أن تفاضل بين هذه التقارير وتأخذ منها بما تراه وتطرح ما عداه ، لتَعلق الأمر بسلطتها فى تقدير الدليل ، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه نقلاً عن تقرير اللجنة المشكلة من البنك المركزي الذي عولت عليه المحكمة فى إدانة الطاعنين – يعد كافياً فى بيان وجه استدلال الحكم بما ثبت من هذا التقرير من حدوث اختلاس واستيلاء وتسهيل الاستيلاء بأموال البنك المجني عليه ، وأقامت المحكمة قضاءها على ما اقتنعت به من أسانيد حواها تقرير

تلك اللجنة وأقوال أعضائها واطرحت فى حدود سلطتها التقديرية تقرير خبراء وزارة العدل الذين انتدبتهم المحكمة ، وكان للأخيرة أن تفاضل بين هذه التقارير وتأخذ منها بما تراه وتطرح ما عداه إذ أن ملاك الأمر فى ذلك متعلق بسلطتها فى تقدير الدليل ولا معقب عليها فى ذلك ،

وهي غير ملزمة من بعد أن ترد استقلالاً على تقرير خبراء وزارة العدل الذي لم تأخذ به أو تعول عليه ولم تشر إليه فى مدونات حكمها ، ومن ثم فإن ما تثيره الطاعنة فى هذا الشأن لا يعدو معاودة للجدل الموضوعي فى تقدير أدلة الدعوى مما لا يجوز إثارته لدى محكمة النقض .

لما كان ذلك ، وكان دفاع الطاعنة بأن ما قام به الطاعن الأول برده من مبالغ تجاوز المبلغ المدعى باختلاسه وأثَّر ذلك فى إلزامها وباقي الطاعنين متضامنين بالرد ، وإن كان لها مصلحة فى هذا الدفع ، إلا أنها ليس لها صفة فى إبدائه ، وكانت الصفة تسبق المصلحة ،

كما أنه قول مرسل من الطاعنة ، هذا إلى أن الحكم قد حدد القيمة المالية للأشياء العينية وفق ضوابط وأسس استقاها من تقرير مصلحة الدمغة والموازين وما قدمه الطاعن الأول من أوراق للعقارات المتنازل عنها للبنك المجني عليه ، هذا فضلاً عن أن الطاعن الأول لم ينازع فى هذا الشأن ، ومن ثم فإن ما تثيره الطاعنة وارد على غير محل .

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، وإذ كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه وما انتهى إليه أن المبلغ الذي قضى بإلزام الطاعنين به بالرد وبغرامه مساوية له لم يتضمنه مبلغ أعمال المضاربات وكذا إيصال السحب رقم ١١٩٨٦ فإنه لا يكون قد وقع فى تناقض أو أخطأ فى شيء .

لما كان ذلك ، وكانت المادة ٤٤ من قانون العقوبات تنص على أنه ” إذا حكم على جملة متهمين بحكم واحد لجريمة واحدة فاعلين كانوا أو شركاء فالغرامات يحكم بها على كل منهم على انفراد خلافاً للغرامات النسبية فإنهم يكونون متضامنين فى الالتزام بها ما لم ينص فى الحكم على خلاف ذلك “،

وكان من المقرر أن الغرامة التي نصت عليها المادة ١١٨ من قانون العقوبات وإن كان الشارع قد ربط لها حد أدني لا يقل عن خمسمائة جنيه، إلا أنها من الغرامات النسبية التي أشارت إليها المادة ٤٤ سالفة الذكر والتي يجب الحكم بها على المتهمين معاً ولا يستطاع التنفيذ عليهم بأكثر من مقدارها المحدد فى الحكم سواء فى ذلك أن يلزمهم الحكم بهذا المقدار متضامنين أو يخص كل منهم بنصيب منه ،

بيد أنه لما كان التضامن بين المتهمين فى الغرامات النسبية طبقاً لصريح نص المادة ٤٤ – آنفة البيان – مشروطاً بأن يكون قد صدر بها على المتهمين حكم واحد ،

وكان الطاعنان قد صدر ضدهما حكم واحد فإن شرط تضامنهما فى الغرامة يكون قد تحقق ، كما أنه من المقرر أن الرد بجميع صوره لا يعتبر عقوبة إذ المقصود منه إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل وقوع الجريمة وتعويض المجني عليه عن ماله الذي أضاعه المتهم عليه ،

بما لازمه ومؤداه وصريح دلالته حسب الحكمة المبتغاة من تقريره أن يقتصر الحكم به على ما نسب للمحكوم عليه إضاعته من أموال على المجني عليه ، وهو ذات المعنى الذي يساير مفهوم نص المادة ١١٨ من قانون العقوبات بما تضمنه من إلزام المحكوم عليه – فى جرائم الاختلاس والاستيلاء والتربح – بالرد وبغرامة مساوية لقيمة ما أختلسه أو استولي عليه أو حصله أو طلبه من مال أو منفعة ،

وأنه كلما تعدد المحكوم عليهم بالرد فى إحدى الجرائم المنصوص عليها فى المادة ١١٨ من قانون العقوبات كانوا متضامنين بالالتزام به عملاً بنص المادة ١٦٩ من القانون المدني .

لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه لم يخالف هذا النظر وقضى بإلزام الطاعنين متضامنين بغرامة مساوية لمبلغ الرد فإن قضاءه يتفق وصحيح القانون ، ويكون منعى الطاعن الثالث فى هذا الصدد على غير أساس .

لما كان ذلك ، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن الثالث لم يدفع ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات وكان هذا الدفع من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع التي لا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض ما لم تكن مدونات الحكم تحمل مقوماته لأنه يقتضي تحقيقا تنأى عنه وظيفة هذه المحكمة ، هذا فضلاً عن أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار أمر التفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها

إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع وكانت المحكمة – قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بُني عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره فإنه لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون،

ولما كانت المحكمة – فى الدعوى المطروحة – قد سوغت الأمر بالتفتيش وردت على شواهد الدفع ببطلانه لعدم جدية التحريات التي سبقته بأدلة منتجةلها أصلها الثابت بالأوراق فلا تجوز المجادلة فى ذلك أمام محكمة النقض .

هذا إلى أن للمحكمة أن تعول فى تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عُرضت على بساط البحث .

لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد حصل مؤدي إقرارات الطاعنين بالتحقيقات وتساند إليها فى قضائه بالإدانة ، فإن إيراد الحكم خطأً ” أنه قام الدليل على صحة الوقائع المنسوبة إلى المتهمين مما أقروا به أمام المحكمة ”

خطأ مادي لا يعيبه ولا ينال من حقيقة الواقعة كما استظهرها الحكم ولا أثر له فى النتيجة التي انتهى إليها ، فإن منعى الطاعن الثالث فى هذا الصدد لا يكون مقبولاً .

لما كان ذلك ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه دان الطاعن الثالث بجريمة الاستيلاء على المال العام وتسهيله وليس بجرائم الاتفاق الجنائي والتزوير والإضرار العمدي كما لم يسند إليه تلك الجرائم ،

فإن النعي على الحكم بالقصور فى استظهار أركان جريمة الاتفاق الجنائي والقصد الجنائي فى الجريمتين الأخيرتين يكون وارداً فى غير محل .

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة.

وإذ كان لا يوجد ثمة تعارض بين ما حصله الحكم فى معرض رده على دفع الطاعن الأول ببطلان إقراره بالتحقيقات لكونه وليد إكراه من صحة هذا الإقرار وإدانته عن جريمة الاستيلاء وما وقر فى يقين المحكمة من إدانة الطاعن الثالث عن ذات الجريمة ومن ثم فإن قالة التناقض تنحسر عن الحكم المطعون فيه .

لما كان من المقرر أن الإقرار بنوعيه – القضائي وغير القضائي – يعد طريقاً من طرق الإثبات ، وكان من المقرر أن الإقرار فى المسائل الجنائية لا يخرج عن كونه عنصراً من عناصر الدعوى التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير حجيتها وقيمتها التدليلية على المقر فلها أن تجزئ هذا الإقرار وتأخذ منه ما تطمئن إلى صدقه وتطرح سواه مما لا تثق به دون أن تكون ملزمة ببيان العلة ،

كما لا يلزم فى الإقرار أن يرد على الواقعة بكافة تفاصيلها بل يكفي أن يرد على وقائع تستنتج المحكمة منها ومن باقي عناصر الدعوى بكافة الممكنات العقلية والاستنتاجية اقتراف الجاني للجريمة ،

ولا يلزم لصحة الحكم أن يكون الدليل الذي تستند إليه صريحاً ومباشراً فى الدلالة على ما تستخلصه المحكمة منه بل لها أن ترتكن فى تكوين عقيدتها من الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واستظهار الحقائق القانونية وما دام استخلاصها سليماً لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي .

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن المحكمة غير ملزمة فى أخذها بأقوال المتهم أن تلتزم نصها وظاهرها ، بل لها أن تستنبط منها ومن غيرها من العناصر الأخرى التي أوردتها الحقيقة التي كشفت عنها بطريق الاستنتاج وكافة الممكنات العقلية ما دام استنتاجها سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق ،

ولما كان الطاعن الثالث لا ينازع فى صحة ما نقله الحكم من أقوال الطاعن الأول بالتحقيقات والتي حصلها بوصفها إقراراً لا اعترافاً ، فإنه لا تثريب على الحكم إذ هو استمد من تلك الأقوال ما يدعم الأدلة الأخرى التي أقام عليها قضاءه بالإدانة ،

كما أنه لا يقدح فى سلامة الحكم تسمية هذه الأقوال إقراراً طالما أن المحكمة لم ترتب على هذه الأقوال وحدها الأثر القانوني للاعتراف وهو الاكتفاء به والحكم على الطاعنين بغير سماع شهود ، وإذ كان لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها من أي دليل تطمئن إليه طالما أن هذا الدليل له أصله الصحيح من الأوراق ،

وكانت الصورة التي استخلصتها المحكمة من أقوال شهود الإثبات وأقوال الطاعنين والتقارير الفنية والمستندات التي اطلعت عليها والتي لها معينها الصحيح من الأوراق لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي ، فإن نعي الطاعن على الحكم بشأن أخذه بأقوال الطاعن الأول والتي سماها إقراراً لا يكون له محل .

لما كان ذلك ، وكان مفاد عدم تعرض الحكم لأقوال المدعو وديع عبد الله خليل اطراحه لها ، لما هو مقرر فى أصول الاستدلال من أن المحكمة لا تلتزم بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر فى تكوين عقيدتها ، فلا تورد من أقوال الشهود إلا ما تطمئن إليه وتقيم عليه قضاءها ، وتطرح أقوال من لا تثق فى شهادتهم من غير أن تكون ملزمة بتبرير ذلك ، فإن ما يثيره الطاعن الثالث فى هذا الصدد يكون غير سديد .

لما كان ذلك ، وكان الأصل أنه لا يقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً منها بشخص الطاعن وكان ما ينعاه الطاعن الثالث على الحكم من قصور فى استظهار نية المتهم الثاني نبيل محمد مصطفي – التي انقضت الدعوى الجنائية بوفاته – إلى الاستيلاء على المال العام من جراء أعمال المضاربات واشتراكه مع الطاعن الأول فى الاستيلاء على مبلغ ١٢٩,١٨٠ جنيه ، وأن توقيعه والمتهم الثاني على إيصالات السحب ليس دليلاً على الاشتراك فى الاستيلاء على المال العام ،

وأن ما نسب إلى المتهم المذكور من إجراء بنود وهمية لتسوية تلك الأعمال لا يعدو أن يكون جنحة طبقا لنص المادة ١١٣ / ٣ من قانون العقوبات ، لا يتصل بشخص الطاعن ولا مصلحة له فيه فإن ما يثيره فى هذا الشأن لا يكون مقبولاً . هذا فضلاً عن أن ما يثيره الطاعن لا يعدو أن يكون منازعة فى الصورة التي اعتنقتها المحكمة وعودة للجدل فى سلطة محكمة الموضوع فى استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت فى وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب .

لما كان ذلك ، وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة – وهو ما لا يُماري فيه الطاعن الثالث – أنه لم يثر أمام محكمة الموضوع شيئاً مما يدعيه بشأن عدم تواجده بمقر عمله أثناء عثور لجنة الفحص على دفتر الفواتير ، فإنه لا يُقبل منه طرح ذلك لأول مرة على محكمة النقض لأنه فى حقيقته دفع موضوعي أساسه المنازعة فى سلامة الأدلة التي كونت منها محكمة الموضوع عقيدتها فى الدعوى ،

كما أنه من المقرر أن طاعة المرؤوس لرئيسه لا تكون فى أمر من الأمور التي يحرمها القانون ، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن الثالث على الحكم في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً .

لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه إذ عاقب الطاعنين بالسجن لمدة ثلاث سنوات إلا أنه قضى بعزلهما من وظيفتهما لمدة سنة واحدة على خلاف ما تقضي به المادة ١١٨ من قانون العقوبات ذلك أن توقيت عقوبة العزل لا يكون إلا فى حالة الحكم بعقوبة الحبس طبقا لما تقضي به المادة ٢٧ من ذات القانون ،

ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون إلا أنه لما كان الطاعنان هما المحكوم عليهما فإن محكمة النقض لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ لما فى ذلك من إضرار بالمحكوم عليهما إذ من المقرر أنه لا يصح أن يضار المتهم بناء على الطعن المرفوع منه وحده عملاً بنص المادة ٤٣ من المرسوم بقانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٥٩ المعدل . لما كان ما تقدم ،

فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .

وتشير المحكمة إلى أنه لا يغير مما تقدم صدور القانون رقم ١٦ لسنة ٢٠١٥ بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية وقانون العقوبات بتاريخ ١٢ من مارس سنة ٢٠١٥ – بعد صدور الحكم المطعون فيه وتقرير الطاعنان بالطعن فيه وتقديم أسباب طعنه – بما نص عليه فى المادة الثانية منه على إضافة المادة ١٨ مكرراً (ب) إلى قانون الإجراءات الجنائية التي تتضمن النص على جواز التصالح فى الجرائم المنصوص عليها فى الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات – ومنها جريمتي الاختلاس والاستيلاء التي دين بها الطاعنين –

التصالح بموجب تسوية تتم بمعرفة لجنة من الخبراء يصدر بتشكيلها قرار من رئيس مجلس الوزراء

ويكون التصالح بموجب تسوية تتم بمعرفة لجنة من الخبراء يصدر بتشكيلها قرار من رئيس مجلس الوزراء ويحرر محضر يوقعه أطرافه ويعرض على مجلس الوزراء لاعتماده ولا يكون التصالح نافذاً إلا بهذا الاعتماد ويعد اعتماد مجلس الوزراء توثيقاً له وبدون رسوم ويكون لمحضر التصالح في هذه الحالة قوة السند التنفيذي.

التصالح غير نافذاً إلا بإعتماد مجلس الوزراء

ويتولى مجلس الوزراء إخطار النائب العام سواء كانت الدعوى مازالت قيد التحقيق أو المحاكمة ويترتب عليه انقضاء الدعوى الجنائية عن الواقعة محل التصالح بجميع أوصافها وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبات المحكوم بها على المتهمين فى الواقعة إذا تم الصلح قبل صيرورة الحكم باتاً ،

كيف يتم التصالح والصلح في جناية الإستيلاء والإختلاس بعد صيرورة الحكم باتاً والمحكوم عليه محبوساً نفاذاً لهذا الحكم ؟

فإذا تم التصالح بعد صيرورة الحكم باتاً وكان المحكوم عليه محبوساً نفاذاً لهذا الحكم :

ـــ جاز له أو وكيله الخاص أن يتقدم إلى النائب العام بطلب لوقف التنفيذ مشفوعاً بالمستندات المؤيدة له.

ـــ ويرفع النائب العام الطلب إلى محكمة النقض مشفوعاً بهذه المستندات ومذكرة برأي النيابة العامة وذلك خلال عشرة أيام من تاريخ تقديمه.

ــ ويعرض على إحدى الدوائر الجنائية بالمحكمة منعقدة فى غرفة المشورة لنظره لتأمر بقرار مسبب بوقف تنفيذ العقوبات نهائياً إذا تحققت من إتمام التصالح واستيفائه كافة الشروط المنصوص عليها في هذه المادة … ” .

التصالح فى جريمتين الإستيلاء والإختلاس على أموال أميرية تختلف حسب ما إذا كان الحكم الصادر بالعقوبة غير باتاً أو باتاً .. كيف ذلك !!؟

لما كان ذلك ، وكان مؤدي هذا النص أن القانون رتب آثاراً على التصالح فى جريمتين الإستيلاء والإختلاس على أموال أميرية – وغيرها من الجرائم التي أشارت إليها – تختلف حسب ما إذا كان الحكم الصادر بالعقوبة لم يصبح باتاً أو أنه قد صار كذلك :

الحالة الأولى : الحكم الصادر بالعقوبة غير باتاً

يترتب على التصالح انقضاء الدعوى الجنائية ووقف تنفيذ العقوبة المحكوم بها وينعقد الاختصاص بوقف التنفيذ للنيابة العامة.

الحالة الثانية : الحكم الصادر بالعقوبة باتاً

يقتصر أثر التصالح على وقف تنفيذ العقوبة ، فالصلح يعد – فى حدود تطبيق هذا القانون – بمثابة نزول من الهيئة الاجتماعية عن حقها فى الدعوى الجنائية مقابل الجُعل الذي قام عليه الصلح ويحدث أثره بقوة القانون مما يقتضي من المحكمة إذا ما تم التصالح فى أثناء نظر الدعوى أن تحكم بانقضاء الدعوى الجنائية أما إذ تراخي إلى ما بعد الفصل فى الدعوى ، فإنه يترتب عليه وجوباً وقف تنفيذ العقوبة الجنائية المقضي بها على المتهم ،

فنظام الصلح على نحو ما سلف اختياري للمتهم فهو يتيح له أن يتمسك بتطبيق القانون الأصلح عليه ويتجنب صدور حكم عليه إذا ما رجح الإدانة وله أن يرفض إذا رجح البراءة بل قد يقبله فى الحالة الأخيرة تجنباً للمساس الأدبي به من وقوفه موقف المتهم أمام السلطات القضائية .

لما كان ذلك ، وكان النص آنف الذكر وإن كان ظاهره إجرائي إلا أنه يقرر قاعدة موضوعية مفادها تقييد حق الدولة فى العقاب بتقرير انقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح بدلاً من معاقبة المتهم وهو ما يتحقق به معني القانون الأصلح فى مفهوم المادة الخامسة من قانون العقوبات ما دام قد أنشأ له وضعاً أفضل .

لما كان ذلك ، وكان القانون على نحو ما سلف قد رخص للطاعنين أن يتفاديا الحكم عليهما بالعقوبة السالبة للحرية وبما كان يؤذن معه لهذه المحكمة – محكمة النقض – القضاء بانقضاء الدعوى الجنائية إذا بادرا بإثبات تصالحهما أثناء نظر الطعن وقبل صدور حكم بات فيه ،

إلا أنه لما كان الطاعنان أو وكيلهما الخاص لم يقدم ما يفيد تصالحهما أثناء نظر هذا الطعن أمام هذه المحكمة – محكمة النقض – ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إن هي انتهت إلى عدم وجوب تطبيق النص المذكور ، والقول بغير ذلك فيه إطالة أمد التقاضي ويتعطل الفصل فى طعن بحالته صالح للفصل فيه عملاً بنص المادة ٣٩ من القانون ٥٧ لسنة ١٩٥٩ كما يتعارض مع العدالة الناجزة انتظاراً لتصالح الطاعن أو وكيله الخاص الذي قد يتعذر إتمامه أو يتراخى ،

هذا إلى أن قضاء هذه المحكمة – محكمة النقض – لم يوصد الباب أمامه بل له ولوكيله الخاص أن يستوفي التصالح ويطلب وقف تنفيذ العقوبة على السياق المتقدم .

الحكم

فلهــــــــــذه الأسبـــــــاب

حكمت المحكمة : –

أولاً : بسقوط الطعن المقدم من المحكوم عليه عقيل حسن نظام .

ثانياً : قبول الطعن المقدم من الطاعنين رجاء محمد مصطفي المراغي ومحمود محمد محمود سليمان بياض شكلاً وفي الموضوع برفضه .

أمين الســـر رئيس الدائـــرة