نموذج و صيغة مذكرة بدفاع مؤسسة حرية الفكر والتعبير أمام المحكمة التأديبية في قضية رئيس النقابة المستقلة لعمال النقل العام

فى التقرير التالى تلقي «الناس والقانون» الضؤ علي «أفضل صيغة نموذجية لمذكرة بدفاع مؤسسة حرية الفكر والتعبير أمام المحكمة التأديبية في قضية رئيس النقابة المستقلة لعمال النقل العام » حيث     .. بقلم «أشرف فؤاد» المحامي بالنقض.

صيغة ونموذج مذكرة دفاع أمام المحكمة التأديبية في قضية عمال هيئة النقل العام

مذكرة بدفاع

السيد / ……..    مدعى عليه

ضد

النيابة الإدارية – نيابة النقل

مقدمة إلى المحكمة التأديبية للرئاسة وملحقاتها في الدعوى رقم .. لسنة ..ق، والمحدد لنظرها جلسة ../../..

الوقائع

الإتهام

 النيابة الإدارية قد نسبت إلى المدعى عليه بصفته سائق بهيئة النقل العام أنه خلال عامي .. / .. سلك سلوكاً لا يتفق والاحترام الواجب ، حيث أفضى بتصريحات ومعلومات تتعلق بأعمال وظيفته عن طريق النشر بالصحف (الوفد والمصري اليوم) ، وذلك دون التصريح له بذلك كتابة من الرئيس المختص ، وذلك بأن أدلى بتصريحات وبيانات عن أعمال وظيفته بجريدتي المصري اليوم والوفد بالعددين رقمي .. ، .. وتضمنت تلك التصريحات إساءات لقيادات الهيئة وذلك بالمخالفة لأحكام القانون ، وتم قيد هذه الواقعة مخالفة إدارية في حق المدعى عليه ، ومن ثم يمت إحالته إلى المحكمة التأديبية طبقاً للنصوص القانونية الواردة بقرار الاحالة .

الذنب الادار (الفعل) المسند للمحال للتأديبية

التصريحات التي أدلى بها المدعى عليه إلى صحيفتي الوفد والمصري اليوم .

1- لم يدل المدعى عليه بأية تصريحات لصحيفة .. العدد .. بتاريخ ../../المنسوب إليه أنه صرح لها ببعض التصريحات التي تحمل إساءة لقيادات الهيئة ، والخبر مرفق بملف الدعوى .

2- ورد في صحيفة المصري اليوم العدد 1917 بتاريخ 12/9/2009 ما زعم أن المدعى عليه أدلى به على النحو التالي

*وكشف على فتوح المنسق العام لإضراب عمال وسائقي هيئة النقل العام أنهم اتخذوا عدداً من الخطوات من أجل إنشاء نقابة مستقلة ، مشيراً إلى أن عمال النقل العام لا يعترفون بالنقابة الحالية لعمال هيئة النقل العام ، وبأي قرار سيصدر عنها حتى ولو كان في صالحهم .

وقال أن عدداً كبيراً من العمال يعانون من تحرير محاضر وقضايا كيدية لهم من قبل مسئولين كبار بالهيئة يقومون باختلاس مبالغ مالية كبيرة ويلفقون قضايا وهمية للعمال ، مطالباً بضرورة صرف بدل للعدوى ورفع بدل الوجبة الغذائية المقدمة لعمال الهيئة من 40 جنيهاً إلى 65 جنيهاً أو ما تراه الحكومة عادلاً في ظل ارتفاع الأسعار ، وشدد على أهمية إلغاء حافز التمييز الذي يتصارع عليه السائقون في حال تحقيق أعلى حصيلة ، وهو ما أدى خلال السنوات الثلاث الأخيرة إلى وقوع حوادث تصادم بين أتوبيسات الهيئة من أجل الحصول على 4 جنيهات في النهاية.

الدفوع و الطلبات

الدفع الآول : التناقض في أدلة الثبوت

قضت المحكمة الإدارية العليا بأن :

من المبادىء الأساسية في المسئولية العقابية سواء كانت جنائية أم تأديبية وجوب الثبوت اليقيني لوقوع الفعل المؤثم وأن يقوم ذلك على توافر أدلة كافية لتكوين عقيدة المحكمة ويقينها في ارتكاب المتهم للفعل المنسوب إليه ولا يسوغ قانوناً أن تقوم الإدانة على أدلة مشكوك في صحتها أو دلالتها والا كانت تلك الإدانة مزعزعة الأساس متناقضة المضمون.

وقد تضمنت قائمة أدلة الثبوت عدداً من الأدلة جاءت متضاربة مع بعضها البعض بما يلقى بظلال من الشك على إمكانية الجزم بارتكاب المدعى عليه للمخالفات الإدارية المنسوبة له ، وهو ما لا يتفق مع طبيعة الدعوى التأديبية والإجراءات المنشئة لها التي تتطلب الجزم واليقين في نسبة المخالفات الإدارية إلى شخص مرتكبها حتى يمكن إدانته ، وبدون هذا الجزم لا يمكن إدانة موظف عام خاصة إذا كانت أدلة الثبوت لا تساند بعضها بعضاً وذلك انطلاقاً من أن المسئولية التأديبية مشتقة بالأساس من المسئولية الجنائية وبالتالي ينطبق عليها أغلب من ينطبق على الدعوى الجنائية من إجراءات وضوابط

حيث جاء في الدليل الأول الوارد بقائمة أدلة الثبوت المتمثل في مذكرة سكرتير عام محافظة القاهرة المؤرخة 29/9/2010 ص 3 \” أن المذكور دائم التحريض للعاملين ونشر وقائع كاذبة في جريدة الوفد ، وأن الهيئة تقوم بالرد على الجريدة أول بأول ولم تقم الجريدة بالنشر.

يتناقض هذا الدليل مع الدليل الثاني المتمثل في صورة ضوئية لخبر منشور في جريدة الوفد العدد …، حيث خلا هذا الخبر من أي تصريح على لسان المدعى عليه أو أياً من عمال هيئة النقل العام بل جاء بعبارات عامة مرسلة غير منسوبة إلى شخص معين وغير موجهة إلى أشخاص بعينهم سواء من قيادات هيئة النقل العام أو غيرهم وإنما فقط القول باعتزام عمال هيئة النقل العام القيام بإضراب عن العمل .

ويتناقض أيضاً مع ما ورد بمذكرة سكرتير محافظة القاهرة مع ما جاء بالخبر الثاني المنشور بصحيفة المصري اليوم بتاريخ 12/9/2009 العدد 1917 حيث جاء على لسان المدعى عليه بعض التصريحات التي أنكرها حال سؤاله بمعرفة النيابة الإدارية ، ص 6 من محضر التحقيق ” حيث أجاب المدعى عليه على سؤال المحقق عن قوله فيما ورد ببلاغ هيئة النقل العام بشأن الإدلاء بتصريحات للجرائد بأن ”

*ما نشر بجريدة المصري اليوم كان خلال إضراب عمال هيئة النقل العام يومي 17 و 18 / 2009 وكان هناك صحفيين أثناء هذا الإضراب ، والتصريحات التي تم الإدلاء بها تم تحويرها وإضافة كلام حتى يتسنى لهم نشر موضوع في الجرائد ، ولكن التصريحات التي قلتها كانت بخصوص طلبات عامة تخص عمال هيئة النقل العام كافة وهو ما تسبب في إضراب 17 و 18 أغسطس 2009 ومن هذه المطالب:

1- زيادة المخالفات المرورية على عمال هيئة النقل العام.

2- زيادة الخصومات في صندوق تكافل الهيئة المسمى الجمعية الخيرية لعمال هيئة النقل العام من 4 % إلى 7 % دون زيادة المرتبات .

3- زيادة خصومات تحت بند الجزاءات لعمال هيئة النقل العام في السنوات الأخيرة.

4- الإهمال والتقصير في الرعاية الصحية لعمال هيئة النقل العام عن طريق المستشفى الخاص بالعمال علاوة على أنه كان هناك اختلاسات من قبل مسئولين كبار بالهيئة .

كما تتناقض أقوال المدعى عليه أمام النيابة الإدارية مع ما اعتبرته الأخيرة دليل إثبات ضده ، فيما جاء بالبند ثالثاً من قائمة أدلة الثبوت من أنه: ” اعتراف المتهم ” فالمتهم أنكر ما نسب إليه ولم يعترف به وأكد على أن الصحفي الذي قام بتحرير الخبر قام بتضخيم تصريحاته وتحويرها بما لا يتفق ومقصده الحقيقي من التصريحات التي أدلى بها .

كذلك فان الدليل الثاني الذي تسوقه النيابة الإدارية إلى عدالة المحكمة والمتمثل في أقوال عبد المعز أحمد سليمان مدير الأمن بهيئة النقل العام و حسن محمود حسن موظف امن بفرع المظلات بهيئة النقل العام هو في حقيقته دليل فاسد من الناحية القانونية ، حيث لم يتسم أخذ أقوال الشاهدين بأي درجة من درجات الجدية التي يجب أن يتسم بها التحقيق في المخالفات الإدارية بل تم سؤالهما بمعرفة المحقق عما جاء بالبلاغ المقدم ضد المدعى عليه فأجاب الثاني عن مظاهر تحريض المدعى عليه للعمال وعن نشر المدعى عليه لمقالة بإحدى الجرائد دون أن يسأله المحقق صراحة عن مضمون ما جاء على لسان المدعى عليه بهذه الجرائد ليتمكن من سلامة شهادة الشاهد وأنه بالفعل قد قرأ هذه الصحف المتضمنة لتصريحات المدعى عليه محل محاكمته تأديبياً، وهو ما يجرح هذه الشهادة ويسقط بها في هوة عدم المصداقية ، بما يجعلها لا تقيم الأدلة الأخرى أو تساندها ، بل تناقض إنكار المدعى عليه أمام النيابة الإدارية وقوله بأن الصحفي قام بتضخيم تصريحاته والالتواء بها عن المقصد الحقيقي . وهو ما ينطبق على الشهادة الثانية حيث لم يذكر الشاهد سوى أسماء الصحف المزعوم تصريح المدعى عليه لها بالعبارات محل محاكمته تأديبياً دون أن يسأله المحقق عن مضمون هذه التصريحات أو تاريخها ، أو مناسبتها …الخ وهو ما يجرح شهادتها أيضاً لتلحق بشهادة نظيره الشاهد الآخر . مما يستوجب براءة المدعى عليه من المخالفات الإدارية المنسوبة إليه ويقتضى رفض الدعوى التأديبية .

الدفع الثاني :  انتفاء الأركان المكونة للمخالفة الإدارية المنسوبة للمدعى عليه 

ولما كانت المسئولية التأديبية مشتقة بالأساس من المسئولية الجنائية ، فان “الذنب الادارى” يقوم على عدة أركان شأنه شأن الفعل المؤثم جنائياً ، وبافتقاد الذنب أو المخالفة الإدارية لأحد هذه الأركان لا يمكن إدانة المتهم ، والفعل المنسوب للمدعى عليه وفقاً لقرار الاتهام هو إدلاءه بتصريحات وبيانات عن أعمال وظيفته بجريدتي المصري اليوم والوفد بالعددين رقمي 1917 ، 7033 وتضمن تلك التصريحات إساءات لقيادات الهيئة بالمخالفة لأحكام القانون ، وهذا الفعل المنسوب للمدعى عليه ينتفي عن الركنين المادي والمعنوي اللازم توافرهما حتى يمكن أخذ المدعى عليه بمأخذ الإثم .

1 ــ انتفاء الركن المادي للمخالفة المنسوبة إلى المدعى عليه .

ينتفي الركن المادي عن المخالفة المنسوبة للمتهم حيث لا يمثل فعله إدلاء بتصريحات للصحف تسيء لقيادات الهيئة ، وإنما الوصف الصحيح للفعل المنسوب إليه هو أنه قام باستخدام حقه الدستوري في التعبير عن رأيه خلال أحد الاضرابات التي نظمها عمال هيئة النقل العام في عام 2009 من أجل المطالبة بحقوقهم ، وبطبيعة الحال كان الصحفيين يقومون بتغطية هذا الحدث ، ويأخذون تصريحات من العمال والسائقين ، وفى حال قيام أحد الصحفيين بتضخيم تصريحات أحد العمال فهذه ليست مسئولية العامل ، بل هي مسئولية الصحفي ، وهو ما أقر به المدعى عليه حال سؤاله بمعرفة النيابة الإدارية ص 6 من تحقيقات النيابة الإدارية ، إذا أن ما أقر به المدعى عليه هو قيامه بالتصريح لأحد هذه الصحف بمطالب العمال والتي هي في حقيقتها مطالب مشروعة لا يترتب على الإدلاء بها لإحدى الصحف قيام أية مسئولية تأديبية والا ترتب على ذلك تجريم كل من يقوم بممارسة حقه في التعبير عن الرأي .

وبفرض صحة ما أدلى به المدعى عليه بأنه يسيء لقيادات الهيئة بحديثه عن قيام بعض المسئولين بالهيئة باختلاسات مالية تم التحقيق بشأنها في عهد رئيس الهيئة السابق ، فانه بالقياس على المسئولية الجنائية بفرض أن ذلك يمثل قذفاً في حق أحد المسئولين بالهيئة ، فانه يتجرد تماماً من الضوابط القانونية لقيام مثل هذه الجريمة ، فتاريخ نشر الخبر الوارد بصحيفة المصري اليوم والخبر الوارد بصحيفة الوفد هو 12/9/2009 ، وتاريخ تقديم هيئة النقل العام البلاغ للنيابة الإدارية هو 30 / 11 / 2010 .

ومن ثم يثور السؤال لماذا لم تتقدم هيئة النقل العام ببلاغها ضد المدعى عليه طوال هذه المدة التي تقارب عام كامل ، وهل يجوز قبول بلاغ الهيئة بعد هذه الفترة بالقياس على أنه لا تجوز الشكوى في جرائم القذف بعد مرور 3 أشهر على وقوعها ، وبالقياس أيضاً على ذلك فان القذف باعتباره من جرائم الشكوى فلا تقبل هذه الشكوى إلا من ” المجني عليه.

وهو ما يثير سؤالاً آخر وهو : أين المجني عليه في هذه الجريمة أو المخالفة التأديبية ؟

فالمدعى عليه لم يسند تصريحاته إلى شخص معين من قيادات هيئة النقل العام ، كما لم يصرح بأن هيئة النقل العام ذاتها ” هيئة فاسدة ” حتى يمكن اعتبار تصريحاته قذفاً في حق شخص معنوي، وبالتالي فانه وبمعايير التجريم التأديبية والجنائية على حد سواء نجد أن الركن المادي للمخالفة المنسوبة إلى المدعى عليه ينتفي انتفاءً تاماً .

أما عن نصوص الاتهام فيتبين من مضاهاتها بالوقائع الحقيقية للدعوى الماثلة انتفاء الركن المادي للمخالفة التأديبية المنسوبة للمدعى عليه وذلك على النحو التالي

قيدت النيابة الإدارية الدعوى بعدد من نصوص لائحة شئون العاملين الصادرة بقرار رئيس مجلس إدارة هيئة النقل العام رقم 19 لسنة 1988 هذه النصوص هي

المادة 80 / 3 من قانون العاملين المدنيين بالدولة تنص على أن :” وظائف الهيئة تكليف للقائمين بها هدفها خدمة المواطنين تحقيقاً للمصلحة العامة طبقاً للقوانين واللوائح والنظم المعمول بها.

 ويجب على العامل مراعاة أحكام هذه اللائحة وتنفيذها وعليه

 أن يحافظ على كرامة وظيفته طبقاً للعرف العام وأن يسلك في تصرفاته مسلكاً يتفق والاحترام الواجب .

وبتطبيق هذا النص على ما آتاه المدعى عليه فنجد أن تصريحاته لأحد الصحف حول مطالب العمال الذين يعانون شظف العيش وذل الحاجة وتعسف قياداتهم ليس فيه إخلال بكرامة وظيفته كسائق في هيئة النقل العام ، فضلاً عن أن تلك التصريحات لا تمثل أي خروج على الاحترام الواجب ، والا يمكن اعتبار كل شخص يقوم بالتعبير عن رأيه بشكل سلمى خارجاً على هذا الاحترام وهو ما يمكن لقيم الاستبداد والقمع من الرسوخ في أجهزة الدولة المختلفة .

وتنص المادة 81/1 و 7 من قانون العاملين المدنيين بالدولة   على أن يحظر على العامل:

1- مخالفة القواعد والأحكام المنصوص عليها في القوانين واللوائح المعمول بها .

7- أن يفضى بأي تصريح أو بيان عن أعمال وظيفته عن طريق الصحف أو غير ذلك من طرق النشر إلا إذا كان مصرح

وهذا النص يقابل نص المادة 77/7 من قانون العاملين المدنيين بالدولة وسوف نخصص لهما مذكرة منفصلة في الدفع بعدم دستوريتهما لاعتدائهما على حرية الرأي والتعبير وحرية تداول المعلومات والحق في المعرفة .

كما تنص المادة 82 من قانون العاملين المدنيين بالدولة علي أن :

كل عامل يخرج عن مقتضى الواجب في أعمال وظيفته أو يظهر بمظهر من شانه الإخلال بكرامة الوظيفة يجازى تأديبياً .

*ولا يعفى العامل من الجزاء استناداً إلى أمر صادر إليه من رئيسه إلا إذا أثبت أن ارتكاب المخالفة كان تنفيذ لأمر مكتوب بذلك صادر إليه من هذا الرئيس بالرغم من تنبيهه كتابة إلى المخالفة وفى هذه الحالة تكون المسئولية على مصدر الأمر وحده .

ولا يسأل العامل مدنياً عن خطأه الشخصي .

وهنا أيضاً لم يأت العامل ما يمثل خروج على مقتضى الواجب الوظيفي ، وذلك لان المطالبة بالحق وانتقاد الفساد الادارى ليس خروجاً على هذا الواجب بل هو من صميم الواجب الذي يجب على كل عامل في أي جهة حكومية أداءه بألا يصمت عندما يرى خطأ يرتكب أمامه ، أو يرى حقاً ضائعاً ، وذلك لان نقد الأخطاء نابع من حرص العامل على المصلحة العامة وليس من أجل الإساءة إلى شخص بعينه .

2- انتفاء الركن المعنوي للمخالفة المنسوبة إلى المدعى عليه

يقصد بالركن المعنوي في مجال الخطأ التأديبي صدور الفعل الخاطىء عن إرادة آثمة أو غير مشروعة .

ويذهب جانب من الفقه إلى أن الإرادة ركن في الجريمة التأديبية وبالتالي يلزم حتى يجازى العامل أن يقترن الركن المادي للمخالفة بركن أدبي وهو يعنى أن يصدر الفعل الخاطىء عن إرادة آثمة وهى وحدها التي تجعل العامل مذنباً يستحق المساءلة .

وبتطبيق ذلك على ما آتاه المدعى عليه نجد أن الإرادة الاثمة بعيدة كل البعد عنه ، فإرادة المدعى عليه من واقع أقواله أمام النيابة الإدارية لم تخرج عن مجرد المطالبة ببعض المطالب العمالية المشروعة ، ولا يمكن اعتبار تعبيره عن هذه المطالب إساءة لقيادات الهيئة إلا إذا كان هؤلاء يعتبرون مطالبة العمال بحقوقهم إساءة للهيئة ، وسوء النية هنا لا علاقة له بالعامل ، بل أنه وثيق الصلة بإدارة الهيئة التي يتضح أنها تكيد له شر المكائد في الدعوى الماثلة ، وبانتفاء هذا الركن أيضاً تنتفي المخالفة التأديبية المنسوبة للمدعى عليه مما يستوجب براءته مما هو منسوب إليه ورفض الدعوى .

3- التعسف ضد العامل المحال للمحاكمة التأديبية .

المحال للتأديب هو أحد القيادات العمالية بهيئة النقل العام ، وقد أفنى سنوات حياته التي أنفقها في خدمة هيئة النقل العام مدافعاً عن حقوق العمال ، مواجهاً كافة صور الفساد والظلم التي يعانيها عمال الهيئة مثلما هو الحال بالنسبة للعمال المصريين بوجه عام ، وقد اختاره العمال رئيساً للنقابة المستقلة لعمال النقل العام بعدما فقدوا كل أمل لهم في النقابة التي تتبع الاتحاد العام لنقابات عمال مصر- الصادر ضده عدد من الأحكام القضائية ببطلانه لثبوت التزوير في انتخاباته – والتي لا تمثل العمال تمثيلاً حقيقياً ، بل أنها تقف ضد مصالحهم ومطالبهم في أغلب الأحوال .

هذا هو الدافع الرئيسي للعمال في إنشاء نقابة مستقلة تعبر عنهم تعبيراً حقيقياً ، ولما كان المدعى عليه مدافعاً مخلصاً عن العمال ، محلاً لثقتهم فقد اختاروه رئيساً لنقابتهم المستقلة ، وهذا هو السبب الرئيسي وراء تحريك الدعوى التأديبية الماثلة ضده لإجهاض مشروع النقابة المستقلة التي اعترفت بها وزارة القوى العاملة .

من ناحية أخرى وبالعودة إلى الوراء نجد أن النيابة الإدارية قامت بالتحقيق مع العامل عام 2006 فى القضية رقم 13 لسنة 2006 في مخالفة إدارية مثيلة للمخالفة محل المحاكمة الماثلة وقد وصفتها النيابة وقتذاك بأنه : “سلك مسلك لا يتفق والاحترام الواجب ولم يحافظ على كرامة الوظيفة العامة بأن : أساء استخدام حق الشكوى بأن اتخذها ذريعة للإساءة إلى رؤسائه وذلك بتضمينها بعض وقائع غير صحيحة ونشرها بصحف مختلفة وتقديمها لجهات مختلفة وذلك على النحو المبين تفصيلاً بالأوراق .

وفى معرض تصرف النيابة الإدارية في التحقيق سالف البيان قررت في البند ثالثاً من مذكرتها حفظ ما أسند للعامل لعدم الأهمية .

والسؤال لماذا قررت النيابة الإدارية عدم أهمية ما أسند للمدعى عليه في عام 2006 ، في حين قررت إحالته للمحكمة التأديبية في وقائع مثيلة عام 2011 ؟

تكمن الإجابة في أنه لم تكن هناك نقابة مستقلة لعمال هيئة النقل العام عام 2006 ، أما في عام 2011 فقد أنشئت هذه النقابة بإرادة العمال اللذين اختاروا المدعى عليه رئيساً لها ، وإحالة رئيس هذه النقابة إلى المحاكمة التأديبية هو أحد فصول المعركة التي تخوضها رئاسة الهيئة والنقابة البائدة ضد نقابة العمال المستقلة ، وهو ما يؤكد اللدد والكيد في هذه الخصومة ، مما يستوجب براءة العامل مما هو منسوب إليه .

4- تأديب المدعى عليه انتهاك لحقه في التعبير المكفول بموجب نصوص الإعلان الدستوري .

تنص المادة 12 من الإعلان الدستوري على أن

تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية ، وحرية الرأي مكفولة , ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون , والنقد الذاتي والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني .

يضمن هذا النص عدداً من الحقوق والحريات منها على وجه الخصوص

– حرية التعبير

– حرية النشر

– حرية النقد والنقد الذاتي

وبتطبيق ذلك على وقائع الدعوى الماثلة نجد أن ما أتاه المدعى عليه هو مجرد ممارسته لحقه في التعبير عن الرأي ولم يقصد بذلك الإساءة إلى أيا من قيادات هيئة النقل العام وفقاً لأقواله أمام النيابة الإدارية ، فقط التعبير عن رأيه فيما يتعلق بالأمور التي يراها تمس مصالح عمال هيئة النقل العام ، وانتقاد سياسات إدارة الهيئة المتعلقة بالعمال ، وهذا أمر مشروع تماماً بموجب النص الدستوري سالف البيان الذي وان كان قد أحال تنظيم ممارسة هذا الحق إلى القانون ، إلا أن دور القانون في هذه الحالة هو التنظيم فقط وليس التقييد ، والا انتفت الحكمة من النص الدستوري ، الذي تنحصر وظيفته الأساسية في كفالة حرية التعبير والنقد لا في تكبيل هذه الحرية بالقيود والعوائق المختلفة ، ومن ثم فان قيام العامل بانتقاد بعض السلبيات التي يراها تشوب أداء هيئة النقل العام ، لا يدخل دائرة الإثم التأديبي الذي يستوجب الجزاء ، وهذا يستوجب تبرئة المدعى عليه مما هو منسوب إليه والقضاء برفض الدعوى .

كما أكدت المحكمة الدستورية على هذا المعنى عندما قضت بأنه :

إذ كان الدستور القائم قد نص على أن حرية الرأي مكفولة، و أن لكل إنسان حق التعبير عن رأيه و نشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون ، و كان الدستور قد كفل بهذا النص حرية التعبير عن الرأي بمدلول جاء عاما ليشمل حرية التعبير عن الآراء في مجالاتها المختلفة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية .

إلا أن الدستور – مع ذلك – عنى بإبراز الحق في النقد الذاتي و النقد البناء باعتبارهما ضمانات لسلامة البناء الوطني، مستهدفا بذلك توكيد أن النقد- و إن كان فرعا من حرية التعبير- و هي الحرية الأصل الذي يرتد النقد إليها و يندرج تحتها ، إلا أن أكثر ما يميز حرية النقد – إذا كان بناء – إنه في تقدير واضعي الدستور ضرورة لازمة لا يقوم بدونها العمل الوطني سويا على قدميه. و ما ذلك إلا لأن الحق في النقد- و خاصة في جوانبه السياسية – يعتبر إسهاما مباشراً في صون نظام الرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية و التنفيذية ، و ضرورة لازمة للسلوك المنضبط في الدول الديمقراطية ، و عائقا دون الإخلال بحرية المواطن في أن يعلم، و أن يكون في ظل التنظيم البالغ التعقيد للعمل الحكومي ، قادراً على النفاذ إلى الحقائق الكاملة المتعلقة بكيفية تصريفه، على أن يكون مفهوما أن الطبيعة البناءة للنقد التي حرص الدستور على توكيدها – لا يراد بها أن ترصد السلطة التنفيذية الآراء التي تعارضها لتحدد ما يكون منها في تقديرها موضوعيا، إذ لو صح ذلك لكان بيد هذه السلطة أن تصادر الحق في الحوار العام، و هو حق يتعين أن يكون مكفولا لكل مواطن، و على قدم المساواة الكاملة .

بناء عليه

يلتمس المدعى عليه

1- براءته مما هو منسوب إليه .

2- رفض الدعوى التأديبية .

نوصي بقراءة مدونة دنيا المنوغات