المحكمـة

محتويات الصفحة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة قانونًا.

أولًا: الطعن المقدم من المحكوم عليهما / ………. و……….

حيث إن الطاعنتين وإن قرَّرتا بالطعن بالنقض في الميعاد إلَّا أنهما لم تودعا أسبابًا لطعنهما، ومن ثم يتعيَّن القضاء بعدم قبول الطعن المقدم منهما شكلًا عملًا بنص المادة ٣٤ من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٥٩ .

ثانيًا: الطعن المقدم من المحكوم عليه / ……….

حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون .

اسباب الطعن بالنقض : القصور، والتناقض التسبيب – الفساد الاستدلال – الخطأ في الإسناد – مخالفة الثابت في الأوراق – والإخلال بحق الدفاع

حيث إن الطاعن ينعى علي الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والسرقة مع تعدُّد الجناة، وإحراز أدوات مما تستخدم في الاعتداء على الأشخاص دون مسوغ، قد خالطه القصور، والتناقض التسبيب، والفساد الاستدلال، والخطأ في الإسناد، ومخالفة الثابت في الأوراق، والإخلال بحق الدفاع، ذلك أنه جاء خلوًّا من أسباب صحيحة تحمله، وصيغ في عبارة عامة مُعَمَّاة شابها الغموض والإبهام لم يبيِّن فيها مضمون الأدلة التي استخلص منها الإدانة ومؤداها في بيان كاف يكشف عن أن المحكمة أحاطت بعناصر الدعوى عن بصر وبصيرة، مُكْتَفِيًا بتردید صيغة الاتهام المُبَيَّنَة بأمر الإحالة وقائمة أدلة الثبوت المُقَدَّمة من النيابة العامة، وعوَّل على أقوال ضابط الواقعة – مُجْري تحريات الشرطة – والمتهمتين/ ……….، و…….. رغم تناقض أقوالهم مع الدليل الفني في خصوص ما أثبته التحليل من خلو عينة الدم المأخوذة من جثة المجني عليه من أية آثار لمادة مخدرة أو منومة، فضلًا عما وَرَدَ بمناظرة جثة المجني عليه بمحضر جمع الاستدلالات المؤرخ ٢٠/١٠/٢٠١٢ من عدم وجود إصابات ظاهرية بها، وما أثبته مفتش الصحة بتقريره المبدئي من أن الوفاة نتيجة إسفكسيا الغرق، وأنه لا توجد بالمجني عليه أيَّة إصابات، دون أن تجري المحكمة تحقيقًا في هذا الشأن لرفع ذلك التناقض، مُلْتَفِتًا عن دفعه في هذا الخصوص، ولم يبيِّن الموضع الذي استقى منه شهادة شاهدي الإثبات النقيب/ …….. و……. كما نسب لضابط التحريات قوله: ” أن الطاعن قام بخنق المجني عليه بِيَدِه “،

 

على الرغم من أن أقواله خَلَت من ذلك القول، ولم يدلل تدليلًا سائغًا على توافر نِيَّة القتل ؛ إذ أن ما أورده لا يفيد سوى الحديث عن الأفعال المادية التي أتاها الطاعن، مُطَّرِحًا بِرَدٍّ قاصر دفاعه في هذا الخصوص، واستدل على توافر ظرف سبق الإصرار بما لا ينتجه، وقد أشاح بما لا يسوغ عن دفعه بانتفائه، وقصر في استظهار رابطة السببية بين الفعل المسند إليه ووفاة المجني عليه، ولم يدلل على قيام الاتفاق بين الطاعن وباقي المتهمين أو يُبيِّن دوره في جريمة القتل العمد، وَرَدَّ بما لا يكفي أو يسوغ على دفاعه ببطلان اعتراف المتهمتين/ …….. و…….. بتحقيقات النيابة لمخالفته للواقع، وكذلك فَعَلَ بدفاعه بعدم جدية التحريات، ولم يعنِ بالرد على دفوعه بعدم معقولية الواقعة، واستحالة تصورها، وتلفيق الاتهام وكيديته، وانتفاء صلته بالواقعة، وبأن الواقعة لا تعدو أن تكون جنحة معاقب عليها بالمادتين ١٤٥، ۲۳۹ من قانون العقوبات، إلى هذا فإن وصف التهمة الواردة بطلبات النيابة العامة بديباجة الحكم لم ترد بأمر الإحالة، ولم تقف المحكمة على أمر قيد المحامي المدافع عن الطاعن، ومدى قبوله للمرافعة أمام محكمة الجنايات، لاسيما وقد خلا محضر الجلسة من بيان درجة قيد هذا المحامي، كما أنها رغم إحالتها أوراق جميع المتهمين إلى فضيلة مفتي الجمهورية لِمَا رأته من استحقاقهم عقوبة الإعدام، لم تقضِ على المتهمتين/ ……. و……. بتلك العقوبة أسوة بالطاعن، وأخيرًا، فقد أورد الحكم في مدوناته أسماء المتهمين والمجني عليه خطأ بما ينم عن عدم إحاطة المحكمة بواقع الدعوى، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.

ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى في قوله :

” أنه وعلى إثر مارسخ بعقل المتهم من أن المجني عليه دائم تحريض المتهمة الثانية وتأليبها ضده، مما أوغر صدر المتهم الأول ( الطاعن ) تجاه المجني عليه، فوجد الشيطان في ذلك غايته فيذر في عقله سموم الشر وسوس في أذنه بما روى شجرة الحقد والكُرْه، وأنما في نفسيته أنه يستوجب عقاب المجني عليه، والتخلص منه بالقتل والاستيلاء علي دراجته البخارية “التوكتوك” وبيعها، وشراء سيارة بثمنه، ولاقى ذلك قبولًا لدى المتهم، فعقد العزم، وبَيَّتَ النِيَّة على ذلك، وبتاريخ الواقعة استدرج المتهم الأول المجني عليه، داعيا إياه بالحضور لمسكنه بحجة إعطائه المال الذي يدين به له، وأملًا في استيفاء دينه توجَّه المجني عليه مُسْتَقِلًّا التوكتوك ملكه حتى وصل إلى حيث مكان اللقاء، فقابله المتهم الأول والمتهمة الثانية، وأحضرا المتهمة الثالثة، وصعدوا جميعًا للمسكن، وأخذوا يتجاذبون أطراف الحديث لبَثِّ الطمأنينة بنفس المجني عليه، وتَحَيَّنُوا الفرصة إلى أن باغت المتهم الأول المجني عليه بالهجوم، وشل حركته، واستطاع توثيق يداه وقدماه بمعاونة المتهمتين الثانية والثالثة، وبادر المتهم الأول المجني عليه بضربه بأداة ” مكواة ” استقرت بالصدغ الأيمن من وجهه، ولم يكتفِ، بل واصل التعدي عليه خنقًا بالضغط بيده علي عنقه، ولم يتركه إلَّا بعد أن تیقَّن من إزهاق روحه، وأنه صار جثة هامدة، وبعد أن أحدث به العلامات الإصابية الموضَّحة بتقرير الصفة التشريحية، ثم قام المتهمين بتجريد المجني عليه من ثيابه، واستولت المتهمة الثالثة على الهاتف الخاص به، ثم قاموا بالتخلص من أداة الجريمة “المكواة” وثياب المجني عليه بإلقائهم بالقمامة، وقاموا بِلَفِّ جُثمان المجني عليه بسجادة كانت متواجدة بالمنزل، وأنزلوه إلى حيث الدراجة النارية الخاصة به، وحملوه بها، وتوجَّهوا إلى ترعة الأسدية أمام عزبة علَّام دائرة مركز أبو حماد، حيث تخلَّصوا من جُثمان المجني عليه، وقامت المتهمة الثالثة بالتخلص من السجادة سالفة البيان بإلقائها فوق سطح منزل والدتها، كما اتَّفقوا على إخفاء الدراجة البخارية بعض الوقت لحين التصرف فيها بالبيع، وتقسيم ثمنها علي ثلاثتهم، وعليه قام بإيداع الدراجة البخارية طرف أحد أصدقائه بعد أن أخبره أن الدراجة البخارية خاصة بشقيقه، إلَّا أنه قد ظهرت جثة المجني عليه بأن طفت علي مياه ترعة الأسدية وتم انتشالها، وأكدت تحريات المباحث أن المتهمين وراء ارتكاب الواقعة، وبضبطهما أقروا بارتكابها، وتم ضبط الدراجة البخارية، والهاتف المسروق، والسجادة المستخدمة في الواقعة بإرشاد المتهمين عقب ضبطهم”.

 

وساق الحكم على ثبوت الواقعة بالتصوير سالف البيان أدلة مُسْتَمَدَّة من اعترافات كل من المتهمتين / ……. و…….. في تحقيقات النيابة العامة، وأقوال شاهدي الإثبات النقيب/ ……. رئيس مباحث مركز أبو حماد و………، ومما أورده تقريرا الصفة التشريحية، والإدارة المركزية للمعامل الطبية الشرعية، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتَّبه عليها، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى في بيان كافٍ ووافٍ، على نحو يدل على أنها مَحَّصَتها التمحيص الكافي، وألمَّت بها إلمامًا شاملًا يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة عن بصر وبصيرة، بما يُحَقِّق حكم القانون، ومن ثم، فإن منعى الطاعن بقصور الأسباب التي قام عليها الحكم المطعون فيه، وأنه قد شابه الغموض والإبهام والإجمال، وعدم الإلمام بوقائع الدعوى وأدلتها يكون لا محل له .

 

لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يوجد في القانون ما يمنع محكمة الجنايات من أن تورد في حكمها أقوال شهود الإثبات كما تضمَّنَتها قائمة شهود الإثبات المقدمة من النيابة العامة، مادامت تصلح في ذاتها لإقامة قضائها بالإدانة -وهو الحال في الدعوى المطروحة -، فإن النعي على الحكم بالقصور لاكتفائه بتردید صيغة الاتهام بيانًا للواقعة، وإيراده لمؤدى الأدلة التي استند إليها في قضائه كما تضمَّنتها قائمة أدلة الثبوت المقدمة من النيابة العامة – بفرض صحته – يكون لا محل له .

 

لما كان ذلك، وكان تناقض الشاهد أو تضاربه في أقواله لا يعيب الحكم مادامت المحكمة قد ستخلصت الحقيقة من تلك الأقوال استخلاصًا سائغًا لا تناقض فيه – كما هو الحال في الدعوى -، وأنه ليس بلازم أن تتطابق أقوال الشهود أو إقرارات المتهمين، مع مضمون الدليل الفني، على الحقيقة التي وصلت إليها المحكمة بجميع تفاصيلها على وجه دقيق، بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي، غير متناقض مع جوهر الدليل الفني تناقضأ يستعصي على الملاءمة والتوفيق، وكان الحكم – وهو في مقام الملاءمة بين أقوال الشهود واعترافات المتهمتين الثانية والثالثة وبين التقرير الفني – قد أخذ من اعترافات المتهمتين، أن الطاعن قام بتوثيق يدي وقدمي المجني عليه، وضربه بأداة ” مكواة ” استقرت بالصدغ الأيمن من وجهه، ثم قام بإلقاء الجثة في مياه الترعة، وأطرح أقوالهما بخصوص تناول المجني عليه مشروب عصير يحوي مادة منومة، وهو ما لا يُشَكِّل تدخُّلًا في رواية الشاهدتين، أو أخذها على وجه يخالف صریح عبارتها، وإنما هو استنتاج سائغ أجرته المحكمة – وهي بسبيل استخلاص الحقيقة من كل ما يُقَدَّم إليها من أدلة -، وائمت به بين ما اطمأنت إليه واجتزأته من أقوال الشاهدتين، وما كشف عنه تقرير الصفة التشريحية، ولا تثريب عليها في ذلك، مادام أن تقدير الدليل موكول إلى اقتناعها واطمئنانها إليه، ومادامت قد استقرت عقيدتها على أن الطاعن هو مُحْدِث الإصابات التي أثبتها تقرير الصفة التشريحية، فلا يقوم بذلك ثمة تعارض حقيقي بين مؤدى الدليلين القولي والفني اللذين أخذ بهما الحكم في قضائه، وليس بلازم أن يورد الحكم ما أثاره الدفاع عن الطاعن من وجود تناقض بين هذين الدليلين، مادام ما أورده في مدوناته يتضمَّن الرد على ذلك الدفاع ؛ إذ المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد عليها على استقلال، طالما أن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، وإذ كان البيِّن من محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن لم يطلب من المحكمة تحقيقًا في هذا الشأن، فليس له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن القيام بإجراء لم يُطْلَب منها، أو الرد على دفاع لم يُثَر أمامها.

 

وإذ كانت المحكمة قد أطمأنت – في نطاق سلطتها التقديرية – إلى أقوال شهود الإثبات، وحَصَّلَت مؤداها بما لا يحيلها عن معناها ويُحرِّفها عن مواضعها وبما يكفي بيانًا لوجه استدلالها بها على صحة الواقعة، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة في هذا الصدد يضحى محض جدل موضوعي في تقدير الدليل لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأصل أن تقدير آراء الخبراء، والفصل فيما يوجَّه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع ؛ إذ هو يتعلَّق بسلطتها في تقدير الدليل، ولا مُعَقِّب عليها فيه، ومن ثم، فإن استناد الحكم في سياق أسبابه إلى تقرير الصفة التشريحية المحرر بمعرفة الطبيب الشرعي إثباتًا للوفاة وتحديدًا لسببها، دون ما جاء بمناظرة الشرطة لجثة المجني عليه، أو تقرير مفتش الصحة لا يقدح في تدليله في هذا الصدد، ومن ثم يضحى ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا محل له .

 

لما كان ذلك، وكان من المقرر أن سكوت الحكم عن ذكر مصدر الدليل أو الخطأ فيه لا يضيع أثره، مادام له أصل ثابت بالأوراق – كما هو الحال في الدعوى -، فلا تثريب على الحكم إذا لم يفصح عن مصدر بعض الأدلة، ومن ثم، فإن النعي على الحكم بتجهيل مصدر شهادة شاهدي الإثبات النقيب / …….. و……. لا يكون سديدًا، هذا فضلًا عن إن الثابت من المفردات – التي اطلعت عليها المحكمة – أن قالة ” أن الطاعن قام بخنق المجني عليه بِيَدِه “، التي نسبها الحكم – خطأ – إلى النقيب / ……..، لها صداها، وأصلها الثابت في ذات الأوراق ؛ إذ وَرَدَت تلك العبارة في اعتراف المتهمة/ هيام مجاهد بتحقيقات النيابة العامة، وإذا كان هذا الخطأ في الإسناد لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة، ومن ثم، فإن هذا الوجه – كسابقه – لا يكون سليمًا .

 

لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر نِيَّة القتل، ودلَّل على توافرها في حق الطاعن أخذًا بما أثبته من أن المتهمين أعدُّوا عُدَّتهم لقتل المجني عليه، فقاموا بإعداد حبال لثوثيقه، ثم استدرجوه إلى مسكنهم، حيث بادره الطاعن بمهاجمته وتقييد حركته، ثم – وبمساعدة المتهمتين الثانية والثالثة – تكبيل يديه وقدميه بالحبال منعًا لمقاومته، وتمكينًا للطاعن من إتمام تعديه عليه، ثم قام الأخير بضرب المجني عليه على وَجْنَته اليمنى مستخدمًا مكواة، ومُحْدِثًا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية، وإذ فارق المجني عليه الحياة، فقد قام المتهمون بتجريده من ثيابه، وتخلَّصوا منها، ثم قاموا بوضع جثمانه داخل سجادة، وحمله إلى حيث دراجته البخارية، وحملوه إلى إحدى الترع التي ألقوا بها جثمانه، وهو ما استدل منه الحكم على توافر نِيَّة القتل بحق الطاعن والمتهمتين الثانية والثالثة .

 

لما كان ذلك، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يُدْرَك بالحس الظاهر، وإنما يُدْرَك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتَنُمُّ عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكان فيما أورده الحكم – سواء في بيان واقعة الدعوى أو فيما سلف بيانه في حديثه عن نِيَّة القتل – ما يكفي في استظهار تلك النِيَّة لدى الطاعن ؛ لِمَا هو مقرر من أن الحكم يكون مجموعًا واحدًا يكمل بعضه بعضًا، فإن ما يُثار من نعي على الحكم في هذا الصدد يكون بعيدًا عن مَحَجَّة الصواب . لما كان ذلك، وكان من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة، بل تُسْتَفَاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصًا، وكان البحث في توافر ظرف سبق الإصرار من إطلاقات قاضي الموضوع، يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها، مادام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلًا مع ذلك الاستنتاج، وكان الحكم المطعون فيه – بعد أن أورد تقريرًا قانونيًا – قد دلل على توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن بقوله :”… ولا مراء في توافره في حق المتهم الأول بعد أن أوعز إليه شيطانه التخلص من المجني عليه لسرقة دراجته البخارية والتخلص مما يدين له به، وكذا لإطفاء أحقاد نسجها حول مسئولية المجني عليه عن تأليب المتهمة الثانية ضده، وآية ذلك إفصاحه للمتهمة الثانية برغبته في قتل المجني عليه قبل تاريخ الواقعة، وأعدُّوا لذلك ما يساعدهم في تحقيق مأربهم ؛ بأن أعدُّوا الحبال لتوثيق المجني عليه، ودعوه لمسكنهم بحجة مقابلته لاستيداء دينه من المتهم الأول، وأثناء تواجدهما بداخل المسكن عاجله المتهم الأول بالهجوم، وشل حركته، واستطاع توثيق يداه وقدماه بمعاونة المتهمين الثانية والثالثة، وبادر المتهم الأول المجني عليه بضربة بأداة “مكواة” استقرت بالصدغ الأيمن من وجهه “.

 

ولمَّا كان ما استظهره الحكم – في بيان واقعة الدعوى وفيما سلف بیانه – للاستدلال على توافر ظرف سبق الإصرار من وقائع وأمارات كشف عنهما له مَعِينه الصحيح من الأوراق، ومما يُسَوِّغ هذا الاستخلاص، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولًا .

 

لمَّا كان ذلك، وكان من المقرر أن من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية، تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني، وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقَّعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمدًا، وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها، ومتى فصل فيها إثباتًا أو نفيًا، فلا رقابة لمحكمة النقض عليه مادام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه، وكان الحكم المطعون فيه قد نقل عن تقرير الصفة التشريحية ” أن إصابة المجني عليه الموصوفة برأس المجني عليه رضِّيَّة حيوية حديثة وتحدث من المصادمة الرضية القوية بجسم صلب راضٍ أيًّا كان نوعه، كما أن الإصابات المشاهدة بعنق جثمان المجني عليه هي رضِّيَّة احتكاكية، ويجوز حصولها من مثل أظافر اليدين، والسحجات الموصوفة بالجثة حول الرسغين والقدمين وهي سحجات التفافية على غرار ما يتخلَّف عن التقييد، وجميع الإصابات جائزة الحدوث من مثل التصوير الوارد بالأوراق، وبتاريخ يعاصر تاريخ الواقعة، وتعزى وفاة المجني عليه إلى إصاباته الرَضِّيَّة الحيوية الحديثة بالرأس ؛ لِمَا أحدثته من كسر بعظام الجمجمة، وما صاحبها من نزيف دموي إصابي دماغي أدى إلى دخول المذكور في غيبوبة ” كان من المفترض أن تنتهي بوفاته “، إلَّا أنه أجهز عليه بالضغط العنيف المتواصل على مقدمة العنق، مما أحدث كسرًا حيويًا بالقران الأيمن للعظم اللامي أدَّى إلى وفاته بسفكسيا سد المسالك الهوائية، ولا يمنع من كون حدوث وفاة المجني عليه قد حصلت بتصوير يتَّفِق وأقوال المتهمين “.

فإنه يكون قد استظهر قيام علاقة السببية بين تلك الإصابة التي أوردها تقرير الصفة التشريحية وبين وفاة المجني عليه، ومن ثم، فإن ما ينعاه الطاعن بشأن قصور الحكم في هذا الشأن لا يكون له محل .

 

لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت تصميم الطاعن على قتل المجني عليه وبين الأفعال المادية التي أتاها – حسبما سلف -، ومن ثم، فإنه يصح طبقًا للمادة ٣٩ من قانون العقوبات اعتباره فاعلًا أصليًا في جريمة القتل التي وقعت تنفيذًا لذلك التصميم، فإن ما ينعاه على الحكم من عدم بیان دوره في جريمة القتل العمد، أو عدم التدليل على قيام الاتفاق بينه وباقي المتهمين يكون على غير أساس .

 

لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه – بعد أن أورد تقريرًا قانونيًا – عرض لدفع الطاعن ببطلان اعتراف المتهمتين/ ……. و……. بالتحقيقات لمخالفته للواقع، وَرَدَّ عليه في قوله:”… وكان الثابت أن المتهمتين مَثَلَتَا أمام النيابة العامة للتحقيق، وأخبرهما المُحَقِّق أن النيابة العامة هي التي تقوم بالتحقيق، فأدليا باعترافات تفصيلية، وجاءت اعترافات المتهمتين مُتَّفِقَة في مُجْمَلها وما شهد به شاهد الإثبات وسائر الأدلة الأخرى، كذا لم تطعن المتهمتان مُبْدِيتا ذلك الاعتراف على صحته بأوجه دفاعهما بما يؤكد ويجزم بمطابقة اعترافهما للحقيقة والواقع تطمئن المحكمة إلى صحته، ومن ثم تطرح هذا الدفع، وتعوِّل على اعتراف المتهمتان كدليل، وعلى باقي المتهمين ” .

 

وهذا الذي أورده الحكم على ما أُثير بشأن بطلان الاعتراف سائغ وكافٍ في تفنيده وإطراحه ؛ لِمَا هو مقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، ولها أن تأخذ به متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة والواقع، مادامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة عقلًا، ومتى خلصت إلى سلامة الدليل المستمد من الاعتراف، فإن مفاد ذلك أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ به .

 

لما كان ذلك، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تأخذ بأقوال المتهم في تحقيقات النيابة العامة في حق نفسه، أو في حق متهم آخر، ولو عَدَلَ عنها بعد ذلك بجلسة المحاكمة، متى اطمأنت إلى صحتها وصدقها ومطابقتها للحقيقة والواقع، وكانت المحكمة قد خلصت واطمأنت في استدلال سائغ إلى سلامة الدليل المستمد من اعتراف المتهمتين/ ……. و…….. أمام النيابة العامة في حق الطاعن ؛ لِمَا رأته من مطابقته للحقيقة والواقع الذي استظهرته من باقي عناصر الدعوى وأدلتها، فلا على المحكمة من غضاضة إن أخذت به، وعوَّلت عليه في إدانة الطاعن، ومن ثم يضحى كافة ما يُثار في هذا الشأن لا محل له .

 

لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد اطَّرَح الدفع بعدم جدية التحريات استنادًا إلى اطمئنان المحكمة إلى صحة الإجراءات التي أجراها الضابط وجديتها، وهو ما يُعَدُّ كافيًا للرد على ما أثاره الطاعن في هذا الخصوص، فإن منعاه في هذا الشأن لا يكون له محل .

 

لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدفع بعدم معقولية تصوير الواقعة، وتلفيق الاتهام، وكيديته وانتفاء الصلة بالواقعة، لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب ردًّا صريحًا، بل الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم – كما هو الحال في الدعوى – فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولًا .

 

لما كان ذلك، وكان من المقرر أن النعي بأن الواقعة مُجَرَّد جنحة معاقب عليها بالمادتين ١٤٥، ٢٣٩ من قانون العقوبات، لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة، وجدلًا موضوعيًا في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير مُعَقَّب، ومن ثم، فإن منعى الطاعن في هذا الصدد يكون غير قویم .

 

لمَّا كان ذلك، وكان من المقرر أن خطأ الحكم في بيان طلبات النيابة العامة بديباجته لا يعيبه ؛ لكونه خارجًا عن نطاق استدلاله، وهو من بعد لا يعدو أن يكون خطأ ماديًا لا يخفى على قارئ الحكم، ومن ثم، فإن النعي في هذا الخصوص يكون حريًّا بالإطراح . لما كان ذلك، وكانت المادة ٣٧٧ من قانون الإجراءات الجنائية تقضي بأن المحامين المقبولين للمرافعة أمام محكمة الاستئناف أو المحاكم الابتدائية يكونون مختصين دون غيرهم للمرافعة أمام محكمة الجنايات، وكان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أنه حضر مع الطاعن الأستاذ/ المحامي، وهو الذي شهد المحاكمة، وقام بالدفاع عنه، وقد ثبت من كتاب نيابة النقض أن المحامي المذكور من المقبولين للمرافعة أمام المحاكم الابتدائية، ومن ثم يكون مختصًا بالمرافعة أمام محكمة الجنايات، ويضحى النعي ببطلان إجراءات المحاكمة لا محل له .

لما كان ذلك، وكانت المادة ٣٨١ من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت على محكمة الجنايات أن تأخذ رأي المفتي قبل أن تُصْدِر حكمها بالإعدام، مما مفاده أن استطلاع رأي المفتي لا يعدو أن يكون إجراء لازمًا لصحة الحكم بالإعدام، وهو إجراء سابق على صدور الحكم، ولكنه ليس حكمًا تنتهي به الدعوى، ومن ثم، فلا تثريب على المحكمة إذا قضت بمعاقبة المتهمتين/ …….. و…….. بغير عقوبة الإعدام، ويضحى النعي في هذا الخصوص تأويلًا غير صحيح في القانون .

 

لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم في مدوناته نقلًا عن تقرير فضيلة مفتي الجمهورية من استحقاق المتهمين / …….، ……. الإعدام قصاصًا لقتلهم المجني عليه / ……… لا يعدو أن يكون مُجَرَّد خطأ مادي في الكتابة، وزَلَّة قلم لا تخفى، ولم يكن نتيجة خطأ من المحكمة في فهمها واقع الدعوى وإحاطتها بظروفها ونطاق الخصومة فيها، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل .

لما كان ما تقدم، فإن الطعن المقدم من الطاعن يكون على غير أساس متعینًا رفضه موضوعًا .

ثالثًا : بالنسبة لعرض النيابة العامة للقضية :

حيث إن عرض النيابة العامة للقضية استوفى مقومات قبوله .

حيث إن مفاد نص المادة ٤٦ من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض أن وظيفة محكمة النقض في شأن الأحكام الصادرة بالإعدام ذات طبيعة خاصة يقتضيها إعمال رقابتها على عناصر الحكم كافة، شكلية وموضوعية، وتقضي بنقض الحكم إذا كان مبنيًا على مخالفة القانون، أو خطأ في تطبيقه أو تأويله أو شابه بطلان، أو وقع في الإجراءات بطلان أثَّرَ فيه، غير مُقَيَّدًا في ذلك بأوجه الطعن أو مبنى الرأي الذي تعرض به النيابة العامة تلك القضايا. لما كان ذلك، وكانت المادة ٣١٠ من قانون الإجراءات الجنائية وإن أوجبت على الحكم أن يبيِّن نص القانون الذي حكم بمقتضاه، إلَّا أن القانون لم يحدد شكلًا يصوغ فيه الحكم هذا البيان .

 

ولما كان الثابت أن الحكم المطعون فيه بعد أن حَصَّلَ الواقعة المستوجبة للعقوبة، والظروف التي وقعت فيها، ومؤدى أدلة الثبوت، أشار إلى النصوص التي آخذ الطاعن بها بقوله: “يتعيَّن عقابه بالمواد ۲۳۰، ۲۳۱، ۳۱۷/خامسًا من قانون العقوبات، والمواد١/٢، ٢٥مكررًا/١ من القانون ٣٩٤ لسنة ١٩٥٤، المعدل بالقانون ١٥٦ لسنة ۱۹۸۱، والبندين ” ۷، ۸” من الجدول رقم ١ الملحق بالقانون الأول، والمعدل بقرار وزير الداخلية “، فإن ما أورده الحكم يكفي في بیان مواد القانون التي حكم بمقتضاها بما يُحَقِّق حكم القانون، وينأى بالحكم عن مَظَنَّة البطلان .

 

لما كان ذلك، وكان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع مع الطاعن طلب الاكتفاء بتلاوة أقوال الشهود المدونة بالتحقيقات، والمحكمة أمرت بتلاوتها، ثم ترافع محامي الطاعن في موضوع الدعوى مطالبًا ببراءته، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تستغني عن سماع شهود الإثبات إذا ما قَبِلَ المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمنًا، دون أن يحول عدم سماعهم أمامها من أن تعتمد في حكمها على أقوالهم التي أدلوا بها في التحقيقات، مادامت هذه الأقوال مطروحة على بساط البحث، ومن ثم، فلا محل للقول بالإخلال بحق الدفاع . لما كان ذلك، وكان المشرع قد استحدث في المادة ١٢٤ من قانون الإجراءات الجنائية المعدل ضمانة خاصة لكل متهم في جناية، وهي أنه لا يجوز للمُحَقِّق في الجنايات أن يستجوب المتهم أو يواجهه بغيره من المتهمين أو الشهود إلَّا بعد دعوة محاميه للحضور، عدا حالة التلبس، وحالة السرعة بسبب الخوف من ضياع الأدلة على النحو الذي يثبته المحقِّق في المحضر … إلخ، ولمَّا كان الثابت من المفردات أن الأستاذ / المحامي حضر بتحقیقات النيابة العامة مع الطاعن، وقد أنكر الأخير الاتهام المسند إليه، ومن ثم، فإن إجراءات التحقيق تكون قد تمَّت وفقًا للقانون، وإعمالًا لما تقضي به المادة ١٢٤ سالفة الذكر، وتكون بمنأى عن البطلان .

 

لما كان ذلك، وكان القانون قد أوجب أن يكون بجانب كل متهم بجناية محام يتولى الدفاع عنه أمام محكمة الجنايات، إلَّا أنه لم يرسم للدفاع خططًا معينة ؛ لأنه لم يشأ أن يوجب على المحامي أن يسلك في كل ظرف خطة مرسومة، بل ترك له – اعتمادًا على شرف مهنته واطمئنانًا إلى نبل أغراضها – أمر الدفاع، يتصرَّف فيه بما يرضي ضميره، وعلى حسب ما تهديه خبرته في القانون، ومادام الأمر كذلك، فإنه متى حضر عن المتهم محام، وأدلى بما رآه من وجوه الدفاع، فإن ذلك يكفي لتحقيق غرض الشارع بصرف النظر عما تضمَّنه هذا الدفاع – كما هو الحال في الدعوى – ومن ثم، فلا محل لمخالفة القانون أو للإخلال بحق الدفاع .

 

لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتبر الجرائم التي قارفها الطاعن والمستوجبة لعقابه قد ارتكبت لغرض واحد، وأعمل في حقه المادة ۳۲ من قانون العقوبات، فقضى عليه بعقوبة واحدة هي المقررة لأشد تلك الجرائم، فإنه يكون قد طبَّق القانون تطبيقًا صحيحًا .

 

لما كان ذلك، وكان من المقرر بأنه لا يلزم في الأحكام الجنائية أن يوقِّع القضاة الذين أصدروا الحكم على مسودته، بل يكفي أن يحرر الحكم ويوقعه رئيس المحكمة وكاتبها، ولا يوجب القانون توقيع أحد من القضاة الذين اشتركوا في المداولة على مسودة الحكم إلَّا إذا حصل له مانع من حضور تلاوة الحكم عملًا بنص المادة ۱۷۰ من قانون المرافعات المدنية، ولما كان المحكوم عليه لا يماري في أن رئيس الهيئة التي سمعت المرافعة في الدعوى واشتركت في المداولة هو الذي وقَّعَ على نسخة الحكم الأصلية، وكان البيِّن من مطالعة الحكم المطعون فيه ومحاضر جلساته أن الحكم تُلي من ذات الهيئة التي استمعت للمرافعة واشتركت في المداولة، فإنه يكون قد سَلِمَ من البطلان .

 

لما كان ذلك، وكان المشرع تقديرًا منه لجسامة الجزاء في عقوبة الإعدام، وحرصًا على إحاطتها بضمان إجرائي يكفل أن ينحصر النطق بها في الحالات التي يُرَجَّح فيها -إلى ما يقرب من اليقين – أن تكون مطابقة للقانون، قد أوجب بنص المادة ٣٨١/٢ من قانون الإجراءات الجنائية ألَّا تُصْدِر محكمة الجنايات حكمًا بالإعدام إلَّا بإجماع آراء أعضائها، كما أوجب عليها قبل أن تصدر هذا الحكم أن تأخذ رأى المفتي . وإذ كان الثابت أن الحكم المعروض القاضي بالإعدام قد صدر بإجماع آراء أعضاء المحكمة، وبعد استطلاع رأي مفتي الجمهورية قبل إصدار الحكم، وذلك التزامًا بالنص المار بيانه، فإنه يكون قد طبَّق القانون تطبيقًا صحيحًا، ويكون قد سَلِمَ من قالة البطلان لهذا السبب .