جريمة قبض بدون وجه حق المقترن بتعذيبات بدنية

 في سياق التقرير التالي تلقي “الناس والقانون” الضو علي جريمة القبض بغير وجه حق و التعذيب، حيث ان المتهم في حكم الفقرة الأولى من المادة 126 من قانون العقوبات هو كل من وجه إليه الاتهام بارتكاب جريمة معينة ولو كان ذلك أثناء قيام مأموري الضبط القضائي بمهمة البحث عن الجرائم ومرتكبيها وجمع الاستدلالات التي تلزم للتحقيق والدعوى على مقتضى المادتين 21 و29 من قانون الإجراءات الجنائية ما دامت قد حامت حوله شبهة أن له ضلعا في ارتكاب الجريمة التي يقوم أولئك المأمورون بجمع الاستدلالات فيها. . . بحسب الخبير الأسري و القانوني “أشرف فؤاد” المحامي بالنقض.

و يقول “أشرف ” أنه لا مانع من وقوع أحدهم تحت طائلة نص المادة 126 من قانون العقوبات إذا ما حدثته نفسه بتعذيب ذلك المتهم لحمله على الاعتراف أيا ما كان الباعث له على ذلك ، ولا وجه للتفرقة بين ما يدلي به المتهم في محضر تحقيق تجريه سلطة التحقيق وما يدلي به في محضر الاستدلالات مادام القاضي الجنائي غير مقيد بحسب الأصل بنوع معين من الدليل وله الحرية المطلقة في استمداده من أي مصدر في الدعوى يكون مقتنعا بصحته.
و يضيف “أشرف ”  لا محل للقول بأن الشارع قصد حماية نوع معين من الاعتراف لأن ذلك يكون تخصيصا بغير مخصص ولا يتسق مع إطلاق النص.

بإسم الشعب

محكمة النقض المصرية

الطعن رقم 1314 لسنة 36 القضائية

الطعن رقم 1314 لسنة 36 القضائية

جلسة 28 من نوفمبر سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: مختار رضوان، وجمال المرصفاوي، وحسين سامح، ومحمود عطيفه.

عنوان :

(أ, ب, ج) تعذيب. جريمة.
(أ) المتهم في حكم المادة 126/1 عقوبات: هو كل من وجه إليه الاتهام بارتكاب جريمة معينة ولو كان ذلك أثناء قيام مأموري الضبط القضائي بمهمة البحث عن الجريمة ومرتكبها وجمع الاستدلالات مادامت قد حامت حوله الشبهة أن له ضلعا في ارتكابها.
وقوع جريمة التعذيب أيا كان الباعث لمأمور الضبط القضائي على حمل المتهم على الاعتراف.
(ب) لا يلزم لانطباق حكم المادة 126 عقوبات حصول الاعتراف فعلا. كفاية وقوع تعذيب المتهم بقصد حمله على الاعتراف.
(ج) سكوت القانون عن تعريف معنى التعذيبات البدنية، وعدم اشتراطه لها درجة معينة من الجسامة. تقدير ذلك. موضوعي.
(د) حكم. “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
للمحكمة الجنائية الاستناد إلى أي عنصر من عناصر الدعوى، متى كانت هذه العناصر معروضة على بساط البحث أمامها وكان في إمكان الدفاع تولي مناقشتها وتنفيذها.
(هـ) نقض. “المصلحة في الطعن”.
مجادلة الطاعن حول الوصف القانوني لما اقترفه. لا جدوى منه. مادامت العقوبة المقضي بها مقررة لجنحة استعمال القسوة التي يقر بانطباقها عليه.

موجز

1- المتهم في حكم الفقرة الأولى من المادة 126 من قانون العقوبات هو كل من وجه إليه الاتهام بارتكاب جريمة معينة ولو كان ذلك أثناء قيام مأموري الضبط القضائي بمهمة البحث عن الجرائم ومرتكبيها وجمع الاستدلالات التي تلزم للتحقيق والدعوى على مقتضى المادتين 21 و29 من قانون الإجراءات الجنائية ما دامت قد حامت حوله شبهة أن له ضلعا في ارتكاب الجريمة التي يقوم أولئك المأمورون بجمع الاستدلالات فيها.
ولا مانع من وقوع أحدهم تحت طائلة نص المادة 126 من قانون العقوبات إذا ما حدثته نفسه بتعذيب ذلك المتهم لحمله على الاعتراف أيا ما كان الباعث له على ذلك.
ولا وجه للتفرقة بين ما يدلي به المتهم في محضر تحقيق تجريه سلطة التحقيق وما يدلي به في محضر الاستدلالات مادام القاضي الجنائي غير مقيد بحسب الأصل بنوع معين من الدليل وله الحرية المطلقة في استمداده من أي مصدر في الدعوى يكون مقتنعا بصحته.
ولا محل للقول بأن الشارع قصد حماية نوع معين من الاعتراف لأن ذلك يكون تخصيصا بغير مخصص ولا يتسق مع إطلاق النص.
2- لا يشترط لانطباق حكم المادة 126 من قانون العقوبات حصول الاعتراف فعلا، وإنما يكفي – وفق صريح نصها – أن يقع تعذيب المتهم بقصد حمله على الاعتراف.
3- لم يعرف القانون معنى التعذيبات البدنية ولم يشترط لها درجة معينة من الجسامة، والأمر في ذلك متروك لتقدير محكمة الموضوع تستخلصه من ظروف الدعوى.
4- للمحكمة الجنائية أن تستند في حكمها إلى أي عنصر من عناصر الدعوى متى كانت هذه العناصر معروضة على بساط البحث أمامها وكان في إمكان الدفاع أن يتولى مناقشتها وتفنيدها بما يشاء.
5- لا جدوى للطاعن مما يثيره حول الوصف القانوني لما اقترفه ما دامت العقوبة المقضي بها عليه مقررة لجنحة استعمال القسوة المنصوص عليها في المادة 129 من ذلك القانون والتي يقول الطاعن بأنها هى التي تنطبق على ما أتاه.

الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في خلال شهر أكتوبر سنة 1961 بدائرة بندر شبرا ومركزي قليوب وطوخ القليوبية:

(أولا) قبضا على كل من عبد الحليم عبد الغني الطرمي وإبراهيم على الطرمي والسيد السيد الطرمي وإبراهيم السيد المنير وحجزاهم بدون أمر من أحد الحكام المختصين بذلك وفي غير الأحوال التي يصرح فيها القانون واللوائح وعذباهم بالتعذيبات البدنية المبينة بالتحقيقات.
(ثانيا) عذبا المجني عليهم سالفي الذكر لحملهم على الاعتراف بارتكاب حادث جناية رقم 6008 سنة 1961 مركز قليوب فأحدثا بالثاني والثالث والرابع الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياة الأخير.
وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما طبقا للمواد 126/ 1- 2 و280 و282/ 2 من قانون العقوبات. فقرر بذلك.
وادعى بحق مدني كل من – 1 – السيد السيد الطرمي و2- عبد الحليم عبد الغني الطرمي و3- إبراهيم على الطرمي وطلبوا القضاء لهم قبل المتهمين متضامنين بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت.
ومحكمة جنايات بنها قضت حضوريا بتاريخ 7 نوفمبر سنة 1965 عملا بمواد الاتهام والمواد 32 و17 و55 و56 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالحبس مع الشغل مدة سنة واحدة وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة مدة ثلاث سنوات وألزمت المتهمين أن يدفعا متضامنين إلى المدعين بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت مع المصروفات ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة.
فطعن الطاعن الأول في هذا الحكم بطريق النقض…. الخ.

المحكمة

من حيث إن الطاعن الثاني وإن قرر بالطعن بطريق النقض في الحكم في الميعاد, إلا أنه لم يودع أسبابا لطعنه، ومن ثم يكون طعنه غير مقبول شكلا.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الأول قد استوفى الشكل المقرر بالقانون.

اسباب الطعن بالنقض : قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع وخطأ في تطبيق القانون

وحيث إن مبنى هذا الطعن هو أن الحكم المطعون فيه بجنايتي القبض على متهمين وحجزهم دون وجه حق وتعذيبهم لحملهم على الاعتراف, قد انطوى على قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع وخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن الدفاع عن الطاعن تمسك بأن إقرار المجني عليهم بقتل المرأة المقول بقتلها، إنما صدر تلقائيا دون تدخل الطاعن، لما قر في ذهن كل منهم من أن أحدهم قد استقل بقتلها غسلا للعار كما أثار الدفاع ما ألم بأقوال المجني عليهم في تهاتر وتناقض واضطراب يمس جوهرها بما يبطل الاستدلال برمتها، بيد أن الحكم لم يعرض لهذا الدفاع على الرغم من جوهريته، وعول الحكم فيما عول عليه على أقوال عبد الغني مسعود عمران دون أن يرد اسمه بقائمة شهود الإثبات ودون أن تسمعه المحكمة تحقيقا لشفوية المرافعة وتمكينا للدفاع من إبداء رأيه في أقواله.
وفضلا عن ذلك فإن أيا من المجني عليهم لم يكن متهما في جناية قتل المرأة المعثور على جثتها لأن هذه الجناية ما فتئت مقيدة ضد مجهول، ولم يدل أيا منهم باعتراف وإنما بمجرد شهادة برؤية الجريمة وإسنادها إلى غيره، ولم يكن ما وقع عليهم إلا ابتغاء التثبت من شخصية المرأة القتيلة والإقرار بأن الصورة الشمسية هى للمرأة المظنون بقتلها.
هذا إلى أن واقعة الدعوى على النحو الذي أورده الحكم المطعون فيه، لا تعدو جنحة استعمال قسوة ينطبق عليها نص المادة 129 من قانون العقوبات، بالنظر إلى تفاهة إصابات المجني عليهم ونشوئها عن آلات غير خطرة، ولكون الشارع قد أولى الطاعن وأنداده من مأموري الضبط القضائي قدرا من التسامح عند ثبوت حسن نيتهم تمكينا لهم من القيام بواجباتهم.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أنه عثر على قتيلة يوم 5 من أكتوبر سنة 1961 وأسفرت تحريات الطاعن – معاون مباحث أمن القليوبية وزميله الطاعن الآخر وضابط المباحث بها – عن أنها من ذوات السيرة السيئة وأمسكا بهذا الخيط دون رؤية أو تمحيص وانتهيا بنشاطهما الذي لا يستند إلى واقع صحيح إلى أنها لامرأة معينة، وأن المجني عليهم – والدها وعمها وابن عمها وزوجها – هم الذين قتلوها غسلا للعار، فقبضا عليهم في الثاني عشر من ذلك الشهر وأخذا وآخرون في تعذيبهم واستقر رأيهما على تصوير ارتكاب الحادث على النحو الذي أورداه بمحضر تحرياتهما الرقيم 16 من أكتوبر سنة 1961 حملا المجني عليهم بعد تعذيبهم على ترديدها بتحقيق النيابة، ورددها الطاعنان بالتحقيق إلى أن أسقط من يديهما عندما ثبت أن الجثة لامرأة أخرى، وأن المقول بأنها صاحبة الجثة ظهرت حية في 28 من أكتوبر سنة 1961، وعندئذ أقر الطاعنان بأن تحرياتهما غير صحيحة، فأعيد سؤال المجني عليهم فأجمعوا على تعذيب الطاعنين إياهم وطلبهما منهم الإدلاء بالذي سبق أن أدلوا به في التحقيق ولم يوقع الكشف الطبي عليهم إلا بعد ضياع معالم الكثير من إصاباتهم.
وقد استمد الحكم ثبوت هذه الواقعة من أقوال ثلاثة من المجني عليهم وعبد التواب السيد المنير – أخ المجني عليه الرابع المتوفى – والشرطي عبد الغني مسعود عمران ومما ورد بالتقارير الطبية من أقوال الطاعنين.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد حصل أقوال المجني عليهم على وجه لا تناقض فيه، حاصله أن الطاعن وصاحبه قبضا عليهم وحجزاهم دون وجه حق وعذباهم لحملهم على الاعتراف. وإذ ما كان من المقرر أن وزن أقوال الشاهد والتعويل عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع فمتى أخذت بشهادته فإن مفاد ذلك أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وأنه لا إلزام تلك المحكمة بتعقب المتهم في شتى مناحي دفاعه.
كان ما يثيره الطاعن حول تلك الأقوال وما لابس إقرار المجني عليهم لا يعدو جدلا موضوعيا مما لا يقبل أمام محكمة النقض.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن للمحكمة الجنائية أن تستند في حكمها إلى أي عنصر من عناصر الدعوى متى كانت هذه العناصر معروضة على بساط البحث أمامها وكان في إمكان الدفاع أن يتولى مناقشتها وتفنيدها بما يشاء، ومن ثم فلا تثريب على الحكم المطعون فيه إذ عول فيما عول عليه على أقوال الشاهد عبد الغني مسعود عمران في التحقيق الابتدائي، ولا محل للنعي على المحكمة عدم سماعها شهادته في مواجهة الطاعن مادام لم يتقدم إليها بهذا الطلب.
لما كان ذلك، وكان المتهم في حكم الفقرة الأولى من المادة 126 من قانون العقوبات هو كل من وجه إليه الاتهام بارتكاب جريمة معينة ولو كان ذلك أثناء قيام مأموري الضبط القضائي بمهمة البحث عن الجرائم ومرتكبيها وجمع الاستدلالات التي تلزم للتحقيق والدعوى على مقتضى المادتين 21 و29 من قانون الإجراءات الجنائية ما دامت قد حامت حوله شبهة أن له ضلعا في ارتكاب الجريمة التي يقوم أولئك المأمورون بجمع الاستدلالات فيها.
ولا مانع من وقوع أحدهم تحت طائلة نص المادة 126 من قانون العقوبات إذا ما حدثته نفسه بتعذيب ذلك المتهم لحمله على الاعتراف أيا ما كان الباعث له على ذلك.
ولا وجه للتفرقة بين ما يدلي به المتهم في محضر تحقيق تجريه سلطة التحقيق، وما يدلي به في محضر الاستدلالات، ما دام القاضي الجنائي غير مقيد بحسب الأصل بنوع معين من الدليل وله الحرية المطلقة في استمداده من أي مصدر في الدعوى يكون مقتنعا بصحته، ولا محل للقول بأن الشارع قصد حماية نوع معين من الاعتراف لأن ذلك يكون تخصيصا بغير مخصص ولا يتسق مع إطلاق النص.
وكان لا يشترط لانطباق حكم هذه المادة حصول الاعتراف فعلا، وإنما يكفي – وفق صريح نصها – أن يقع تعذيب المتهم بقصد حمله على الاعتراف.
وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استظهر أن ما أتاه الطاعنان من أفعال المجني عليهم كان أثناء قيامهما بجمع الاستدلالات في جريمة قتل المرأة المعثور على جثتها وتوجيههما إليهم تهمة قتلها، وأن إيقاعهما تلك الأفعال إنما كان بقصد حملهم على الاعتراف، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد بالخطأ في تطبيق القانون يكون غير سديد.
لما كان ذلك، وكان القانون لم يعرف معنى التعذيبات البدنية ولم يشترط لها درجة معينة من الجسامة والأمر في ذلك متروك لتقدير محكمة الموضوع تستخلصه من ظروف الدعوى.
وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر أن الأفعال التي قارفها الطاعنان على المجني عليهم يوم 12 أكتوبر سنة 1961 قد شملت إيثاق اليدين والقدمين والتعليق من القدمين والانهيال ضربا بالعصى، وأنها أسفرت عن أصابتهم بكدمات عديدة في مواطن شتى من أبدانهم أظهرها تقرير الكشف الطبي الذي وقع عليهم متأخرا يوم 22 أكتوبر سنة 1961 وأرجعها إلى الضرب بأجسام صلبة راضة في تاريخ الأول سالف الذكر، وأبان الحكم أن تلك الأفعال قد حملت المجني عليهم على الإدلاء بأقوال لو صحت في مجموعها لكانت كافية للاقتناع بإدانتهم بجناية القتل العمد مع سبق الإصرار، فإن في هذا الذي أورده الحكم ما يتحقق به معنى التعذيب البدني الذي دين الطاعنان على أساسه.
هذا فضلا عن أنه لا جدوى للطاعن مما يثيره حول الوصف القانوني لما اقترفه، ما دامت العقوبة المقضي بها – وهى الحبس سنة مع الشغل – مقررة لجنحة استعمال القسوة – المنصوص عليها في المادة 129 من ذلك القانون – والتي يقول الطاعن بأنها هى التي تنطبق على ما أتاه.

الحكم

فلهذة الاسباب

وحيث أنه لما تقدم يتعين رفض الطعن موضوعا.

سكرتير الدائرة         نائب رئيس المحكمة