جريمة إساءة استعمال حق التقاضي

 

  «الناس و القانون» ترحب بحضارتكم و ترصد لكم فى الـتقرير الـتالى «جريمة إساءة استعمال حق التقاضي», وهـي مسألة يهـتم بها الملايين من الأشخاص خاصة الزوجات المتضررات من أزواجهن من كثرة إقامة الدعاوي الكيدية و تريد الخلاص ولا تجد سوي القضاء هو الملاز والخلاص ونهاية للكبوس الذي يخيم علي حياتها, و كذلك الآزواج الذين صدر بشأنهم أحكام قضائية وهمية للكيد والنيل منهم وابتزازهم، والحصول في نهاية المطاف علي البراءة, وهل يمكن الحصول علي أحكام قضائية لردع كل من تسول له نفسه الإضرار بالأخرين بزعم إستعمال حق التقاضي ورفع العديد من القضايا والحصول علي العديد من الأحكام الصادرة في قضايا تافه وملفقة للإساءة الي سمعة الأخرين والنيل من كرامتهم وشرفهم وإرهاقهم,  من هنا تطمئن «الناس و القانون» هؤلاء الملايين من الأشخاص الذين تعرضوا  للإنتهاكات بأن هناك إجراءات تكفل لهم الحماية القانونية, ولكن بإستيفاء شروط معينة وفقا لما سيأتي :

دعوى تعويض مدني لإساءة استخدام حق الشكوي والتقاضي

فى كثير من الأحيان يحدث خلطا لدي الكثيرون ولبسا بين أحكم التعويض عن إساءة استعمال حق التقاضى والذي لا يتحقق إلا باثبات اللدد فى الخصومة والعنت ابتغاء الإضرار بالخصم، كأن يصدر الحكم بالبراءة لتلفيق الإتهام، أو لعدم ثبوت التهمة، وبين  حق التقاضي و الإبلاغ والشكوى. من الحقوق المباحة. هو حق أصيل لإستعمال حق التقاض يحبث صدور مثلاً خكم قضائى بالبراءة لعدم كفاية الأدلة، أو للتراخي في الإبلاغ، لايعد اساءة في حق التقاضي.

 

وفي كثير من الأحيان تظهر هذه الإشكالية بشكل واضح وجلى فى مسألة «الأحوال الشخصية، وجنح الضرب، والإتهام بالسقة»,  إساءة استعمال حق التقاضي  أصبحت ظاهرة مجتمعبة، ولذلك كان لزاما علينا من خلال مدونتكم «الناس والقانون» أن نرصد التفرقة بين الحق المشروع بإستعمال حق التقاضي وبين إساءة استعمال حق التقاضي المرتبط باللدد فى الخصومة والعنت ابتغاء الإضرار بالخصم , سواء في المسائل الجنائية, و المدنية, و الشرعية الأخري، العديد من السادة المحامين بإقامة مثل هذه الدعاوى بطرق مختلفة سواء بشكل مدني والمتمثل فى التعويض أو بشكل جنائي والمتمثل فى دعوى البلاغ الكاذب.

فكان من الضرورة أن نخوض فى خضم تلك الإشكالية التى تسبب الكثير من التعقيدات والأزمات من الناحية القانونية – بحسب الخبير القانونى و المحامى أشرف فؤاد.

إن المستقرعليه فقهاً وقضاءً : لا يجوز لصاحب الحق أن يتعسف في استعمال حقه على نحو يلحق ضرراً بالغير، حيث أن  درء المفاسد أولى من جلب المنافع، فمالك العقارعلي سبيل المثال له الحق أن يتصرف في ملكه كيف يشاء شريطة ألا يضر بجيرانه.

الحق في التقاضي مثل غيره من الحقوق ينبغي إستعماله بطريقة مشروعة خالية من التعسف. فاستعمال الشخص لحقه في اللجوء إلى القضاء ليس مطلقاً، بل هو مقيد بألا يكون استعماله لهذا الحق بطريقة غير مشروعة تلحق أضراراً بالغير، – كما يقول فقهاء القانون –  لأنه ممنوع من التعسف في إستعمال أي حق من الحقوق التي تثبت له. فلا يجوز استخدام حق التقاضي بقصد الإساءة أو الكيد أو مضايقة الخصم.

 

 أكدت محكمة النقض المصرية في بعض أحكامها ضوابط إستعمال حق التقاضي فجاءت في أحد أحكامها : “إن حق الإلجاء إلى القضاء وإن كان من الحقوق العامة التي تثبت للكافة إلا أنه لا يسوغ لمن يباشر هذا الحق الانحراف به عما شرع له واستعماله كيدياً ابتغاء مضارة الغير وإلا حقت مساءلته عن تعويض الأضرار التي تلحق الغير بسبب إساءة استعمال هذا الحق). وقضت أيضاً في حكم آخر بأن (حق الالتجاء إلى القضاء هو من الحقوق التي تثبت للكافة فلا يكون من استعمله مسئولا عما ينشأ عن استعماله من ضرر للغير إلا إذا انحرف بهذا الحق عما وضع له واستعمله استعمالاً كيدياً ابتغاء مضارة الغير”.

 كما قضت محكمة النقض المصرية في حكم آخرلها أنه : “لما كان حق الالتجاء إلى القضاء مقيدا بوجود مصلحة جدية مشروعة فإذا تبين أن المدعي مبطل في دعواه ولم يقصد بها إلا مضارة خصمه والنكاية به فإنه لا يكون قد باشر حقاً مقرراً بمقتضى القانون بل يكون عمله خطأ يجوز الحكم عليه بالتعويض”.

 

وقد أجمع فقهاء القانون أن إساءة استعمال حق التقاضي لا تتوافر بمجرد خسارة الدعوى، وإنما تتوافر عند رفع الدعوى بسوء نية، لا بغرض الوصول إلى حق متنازع فيه، بل يقصد الكيد والنكاية والمكيدة والإضرار بالخصم.

 

الضمانات الواقعية و الضمانات القانونية للحقوق والحريات

هناك ضمانات حقيقية للحقوق والحريات ، بعضها ضمانات واقعية : تنصرف إلى تغير الواقع الفعلي إلى الأفضل بما يؤدى إلى أن يستطيع الأفراد التمتع بحقوقهم وحرياتهم، ومنها تحسين وزيادة الإنتاج، وتوفير حد أدنى من اليسر، وحد أدنى من أوقات الفراغ، وقدر وافر من الثقافة، الخ .

  والبعض الأخر، ضمانات قانونية : الفصل بين السلطات والرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وفوق هذا وذاك يأتي استقلال السلطة القضائية.

  لا جدال فى أن حق الأفراد فى التقاضي حق أصيل ويعد عماد الحريات جميعا، إذ بدونه يستحيل عليهم أن يأمنوا على تلك الحريات أو يردوا الاعتداء عليها، ونظام الحكم لا يمكن أن يعتبر ديمقراطيا إلا إذا كفل للأفراد حق الالتجاء إلى القضاء. وحاجة الأفراد إلى هذا الحق هي حاجة مستمرة ومتزايدة خاصة بعد ازدياد دور الدولة وازدياد تدخلها. وتدخل الدولة فى شئون الأفراد- وأن استهدف صالحهم- قد يكون مصحوبا بإجراءات استثنائية أو مساس بحقوق أساسية أو مغالاة فى التكاليف أو انحراف بالسلطة أو شطط فى التقدير أو إضعاف للضمانات المقررة، ومن ثم يجب أن يبقى باب القضاء مفتوحا أمام الأفراد ليعرضوا عليه أمرهم ويطلبوا إليه إنصافهم من ظلم يعتقدون وقوعه عليهم. ولا جدال فى أن كفالة حق الأفراد فى التقاضي يبعث فى نفوسهم الرضا والإحساس بالاطمئنان والإيمان بالعدل، وإن حرمانهم من هذا الحق يبعث فى نفوسهم الاستياء والإحساس بالقلق والشعور بالظلم. فكفالة حق التقاضي أمر لا غنى عنه وضرورة يلزم توفيرها جنبا إلى جنب مع تزايد نشاط الدولة المتدخل فى شئون الأفراد وكفالة هذا الحق فى دولة ما دليل على استجابة نظام الحكم فيها لرغبات المحكومين ولمقومات حياة دستورية وشرعية.

 

إن المادة 4 من القانون المدني المصري قررت : من استعمل حقه استعمالا مشروعا لا يكون مسئولا عما ينشا عن ذلك من ضرر.

 كما أكدت المادة 5 من القانون المدني المصري أن يكون إستعمال الحق غير المشروع في الأحوال الآتية:

 ا – إذا لم يقصد به إلا الإضرار بالغير.

ب – إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر يسببها.

ج – إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة. مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر- باعتبار أن مناط المسئولية عن تعويض الضرر هو وقوع الخطأ وأنه لا خطا فى استعمال صاحب الحق لحقه فى جلب المنفعة المشروعة التي يتيحها له هذا الحق وكان خروج هذا الاستعمال عن دائرة المشروعية إنما هو استثناء من ذلك الأصل.

 

 المادة 5 من القانون المدني المصري حددت حالته على سبيل الحصر وكان يبين من إستقراء تلك الصور أنه يجمع بينها ضابط مشترك هو “نيه الإضرار”  سواء على نحو إيجابي بتعمد السير إلى مضارة الغير دون نفع يجنيه صاحب الحق من ذلك أو على نحو سلبي بالإستهانه المقصودة بما يصيب الغير من ضرر من استعمال صاحب الحق لحقه استعمالا هو إلى الترف أقرب مما سواه مما يكاد يبلغ قصد الإضرار المدى وكان من المقرر أن كعيار الموازنة بين المصلحة المبتغاة فى تلك الصورة الأخيرة وبين الضرر الواقع هو معيار مادي قوامه الموازنة المجردة بين النفع والضرر دون نظر إلى الظروف الشخصية للمنتفع أو المضرور يسراً أو عسراً إذ لا تنبع فكرة إساءة استعمال الحق من دواعي الشفقة وإنما من اعتبارات العدالة القائمة على إقرار التوازن بين الحق والواجب.

( المواد 4, 5, 163 مدني ) ( الطعن رقم 2845 لسنة 59 ق جلسة 23 /11/ 1995 س 46 ج2 ص 1219).

 

ممارسة حق اللجوء إلى القضاء ينظمها القانون ويرعاها الدستور

 

ولما كان اللجوء إلى القضاء حقاً مشروطاً بأن يكون اللجوء للقضاء بغية حق مشروع وإلا يكون فيه انحراف بغية الأضرار بالخصم فيلتزم حينها بتعويض من أصابه الضرر نتيجة ذلك استناداً إلى أحكام المادة 163 من القانون المدني.

 

إن حق اللجوء إلى القضاء هو حق مكفول بموجب الدستور، فالمحاكم مفتوحة للجميع، ومن خلالها يسعى المواطنون للحصول على حقوقهم وحمايتها , وممارسة هذه الحق ينظمها القانون، إن كون المحاكم مفتوحة للجميع لا يعني اللجوء إليها دون قيد أو شرط أو في أي وقت، وإنما يحدد القانون متطلبات وشروط وإجراءات شرعية لممارسة هذا الحق. فالقانون عندما ينظم حق اللجوء إلى المحاكم يلحظ عدة اعتبارات منها عدم إشغال مرفق القضاء بقضايا ليست ذات أهمية، والحرص على أن يكون من يلجأ إلى القضاء جاداً وليس عابثاً، وأن لا يكون اللجوء بقصد الكيد أو المناكفة أو الإضرار بالغير.

 

وسنستعرض لكم عدة نماذج للتعسف في استعمال حق التقاضي

 

1- رفع دوي المطالبة بالدين قبل الآوان : حيث يعد متعسفاً في استعمال حق التقاضي من يرفع دعوى قبل أوانها مثل الدعوى التي يرفعها الدائن ضد المدين قبل موعد استحقاق الدين.

 

2- رفع دعوي قضائية أمام محكمة غير مختصة محلياً: إذ يعد متعسفاً في استعمال حق التقاضي الشخص الذي يرفع دعواه أمام محكمة غير مختصة مكانياً، وهو يعرف ذلك، بقصد أن يتجشم المدعى عليه متاعب ومصاريف الانتقال والسفر.

 

3- رفع دعوي قضائية أمام محكمة غير مختصة نوعياً: حيث يعد متعسفاً في إستعمال حق التقاضي من يرفع دعوى أمام محكمة غير مختصة إختصاصاً نوعياً، وهو يعرف ذلك، بقصد الكيد والمكيدة لخصمه وإرهاقه نفسياً.

 

4- التماس بإعادة النظر في حكم نهائي: حيث يعد متعسفاً في إستعمال حق التقاضي من يتقدم بإلتماساً بإعادة النظر في حكم نهائي في غير الحالات المحددة على سبيل الحصر في نظام المرافعات الشرعية.

 

5- دعوى للمطالبة بحق متصالح فيه : إذ يعد متعسفاً في استعمال حق التقاضي كل شخص أقام دعوى للمطالبة بحق سبق وأن تصالح بشأنه مع المدعى عليه صلحاً صحيحاً ولم يبغي من دعواه سوى الإدعاء بالباطل والمكيدة والنكاية بالمدعى عليه.

 

7- اللجؤ الي القضاء رغم الاتفاق علي التحكيم في حل النزاع: حيث يعد المدعي متعسفاً في استعمال حق التقاضي إذا رفع دعوى أمام القضاء للمطالبة بالفصل في خلاف ناشئ عن تنفيذ أو تفسير عقد يتضمن اتفاق المتعاقدين على إحالة خلافاتهما الناشئة عن هذا العقد إلى التحكيم.

 

9- كما يعد المدعي متعسفاً في استعمال حق التقاضي من قام بتبليغ المدعى عليه بالدعوى في وقت غير مسموح به نظاماً ودون إذن كتابي من القاضي، لأن المادة (13) من نظام المرافعات الشرعية تقرر بأنه (لا يجوز إجراء أي تبليغ أو تنفيذ في محل الإقامة قبل شروق الشمس ولا بعد غروبها ولا في أيام العطل الرسمية إلا في حالات الضرورة وبإذن كتابي من القاضي).

 

خلاصة و صفوة القول

حق التقاضي ليس حقاً مطلقاً بل هو مقيد بتحقيق مصلحة جدية ومشروعة فلا يجوز إستعماله بهدف مضايقة الخصم والمكيدة والنكاية به أو الإساءة إلى سمعته، ولا يكفي في تقديري للحد من ظاهرة الدعاوى الكيدية والباطلة تحميل من ثبت تعسفه بجميع أتعاب المحاماة ونفقات الدعوى التي تحملها خصمه فحسب بل يتعين إلزامه أيضاً بأن يعوض خصمه تعويضاً عادلاً عن الأضرار المادية والمعنوية الأخرى التي تكون قد لحقت بالخصم مثل التشهير وإساءة السمعة.

 تطبيق هام للتعويض عن إساءة حق التقاضي و اللدد فى الخصومة و العنت ابتغاء الإضرار بالخصم 

طعن محكمة النقض رقم 11865 لسنة 65 القضائية

جلسة 29 من يونيه سنة 1997

 

برئاسة السيد المستشار/ محمد فتحي الجمهودي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مصطفى حسيب, خيري فخري, حسين نعمان نواب رئيس المحكمة وفتحي محمد حنضل.

مسئولية “مسئولية تقصيرية : إساءة استعمال الحق”.دعوى. تعويض. محكمة الموضوع. نقض “سلطة محكمة النقض”.حكم “حجية الحكم الجنائي” “تسبيبه”. نيابة عامة.

(1) حق التقاضي والإبلاغ والشكوى. من الحقوق المباحة. مؤدى ذلك. عدم مسئولية من يلج أبواب القضاء تمسكاً حق أو زوداًً عنه إلا إذا ثبت انحرافه عن الحق المباح إلى اللدد في الخصومة والعنت مع وضوح الحق بقصد الإضرار بالخصم.

 

(2) الإبلاغ عن الجرائم. عدم اعتباره خطأ تقصيرياً ما لم يثبت كذب البلاغ وتوافر سوء القصد أو صدور التبليغ عن تسرع ورعونة وعدم احتياط. عجز المبلغ عن إثبات الوقائع المبلغ عنها لا يقطع حتماً بكذبها.

 

(3) استخلاص الفعل المؤسس عليه طلب التعويض من سلطة محكمة الموضوع متى كان استخلاصاً سائغاً, تكييف الفعل بأنه خطأ أو نفي هذا الوصف عنه. خضوعه لرقابه محكمة النقض.

 

(4) مساءلة خصم عن الأضرار الناشئة عن استعمال حق التقاضي. وجوب إيراد الحكم العناصر الواقعية والظروف التي يصح استخلاص نية الانحراف والكيد منها استخلاصاً سائغاً.

 

(5) حجية الحكم الجنائي أمام المحاكم المدنية. شرطها. أن يكون قد فصل فصلاً لازماً في وقوع الفعل المكوّن للأساس المشترك بين الدعويين وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله. المادتان 102 إثبات، 456 إجراءات جنائية.

 

(6) قضاء المحكمة الجنائية بالبراءة للشك الذي تفسره لصالح المتهم في جريمة البلاغ الكاذب. لا يدل على كذب الوقائع المبلغ بها ولا يمنع المحكمة المدنية من إعادة بحث عناصر المسئولية المدنية طالما لم تفصل المحكمة الجنائية في الأساس المشترك بين الدعويين.

 

(7) استبعاد النيابة العامة أحد المتهمين من الاتهام وإقامة الدعوى الجنائية على غيره في جريمة البلاغ الكاذب. لا يعد دليلاً على عدم صحة الوقائع المبلغ عنها. وجوب ألا تبني المحكمة حكمها إلا على ما يقتضيه بحثها عناصر المسئولية من النزاع المطروح عليها.

 

  • المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن مفاد النص في المادتين الرابعة والخامسة من القانون المدني أن من استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر بالغير، وأن استعمال الحق يكون غير مشروع إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير وهو ما يتحقق بانتفاء كل مصلحة من استعمال الحق وأن حق التقاضي وحق الإبلاغ وحق الشكوى من الحقوق المباحة للأشخاص واستعمالها لا يدعو إلى مساءلة طالما لم ينحرف به صاحب الحق ابتغاء مضارة المبلغ ضده، ولا يسأل من يلج أبواب القضاء تمسكاً بحق يدعيه لنفسه أو زوداً عن هذا الحق إلا إذا ثبت انحرافه عنه إلى اللدد في الخصومة والعنت مع وضوح الحق ابتغاء الإضرار بالخصم.

 

  • تبليغ الجهات المختصة بما يقع من الجرائم لا يُعد خطأ تقصيرياً يستوجب مسئولية المبلغ إلا إذا ثبت كذب الواقعة المبلغ بها وأن التبليغ صدر عن سوء قصد وبغية الكيد والنيل والنكاية بمن أبلغ عنه أو ثبت صدور التبليغ عن تسرع ورعونة وعدم احتياط. فمجرد عجز المبلغ عن إثبات الوقائع المبلغ عنها لا يقطع حتماً بكذبها.

 

  • المقرر أنه ولئن كان استخلاص الفعل الذي يؤسس عليه طلب التعويض مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع إلا أنه يشترط أن يكون هذا الاستخلاص سائغاً وله أصل ثابت بالأوراق فضلاً عن أن تكييف هذا الفعل بأنه خطأ أو نفي هذا الوصف عنه هو من مسائل القانون التي تخضع لرقابة محكمة النقض.

 

  • يتعين على الحكم الذي ينتهي إلى مسئولية خصم عن الأضرار الناشئة عن استعمال حق التقاضي أن يورد العناصر الواقعية والظروف الحاصلة التي يصح استخلاص نية الانحراف والكيد منها استخلاصاً سائغاً.

 

  • مفاد نص المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 102 من قانون الإثبات أن للحكم الصادر في الدعوى الجنائية حجية الشيء المحكوم فيه أمام المحاكم المدنية وإذا كان الحكم الجنائي قد فصل فصلاً لازماً في أمر يتعلق بوقوع الفعل المكوّن للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفي الوصف القانوني للفعل ونسبته إلى فاعله فإن فصلت المحكمة الجنائية بحكم بات في هذه المسائل امتنع على المحاكم المدنية مخالفة الحكم الجنائي السابق عليه.

 

  • قضاء المحكمة الجنائية بالبراءة للشك الذي تفسره المحكمة لصالح المتهم لا يدل بمجرده على كذب الواقعة المبلغ عنها ولا يمنع المحكمة المدنية من إعادة بحث عناصر المسئولية المدنية طالما لم تفصل المحكمة الجنائية في هذا الأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية.

 

  • استبعاد النيابة العامة أحد المتهمين من الاتهام وإقامة الدعوى الجنائية على غيره لا تنهض دليلاً على عدم صحة الوقائع المبلغ بها، ولا يقيد ذلك المحكمة المدنية التي يجب ألا تبني قضاءها إلا على ما يقتضيه بحثها عناصر المسئولية من النزاع المطروح عليه.

 

المحكمة

 

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.

 

حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.

  • وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم (….) لسنة 1991 مدني شمال القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بإلزام الطاعنة بأن تؤدي له مبلغ 50000 جنيه والفوائد القانونية. وقال بياناً لذلك إنه لخلاف بين المطعون عليه الثاني والطاعنة على ممر فاصل بين منزليهما أبلغت الشرطة ضدهما وآخر كذباً بأنهم اعتدوا عليها بالضرب وضبط عن ذلك قضية الجنحة رقم (….) لسنة 1987 شبين القناطر، وقد استبعدته النيابة العامة من الاتهام فأقامت ضدهما الجنحة المباشرة رقم (……) لسنة 1988 شبين القناطر عن ذات الواقعة. كما أبلغت ضده وزارة العدل والنيابة العامة أنه بصفته مستشاراً تدخل لدى قاضي محكمة شبين القناطر لعرقلة الفصل في هذه الجنحة الأخيرة وقد أصابته – نتيجة لذلك – أضرار أدبية يقدر التعويض عنها بالمبلغ المطالب به, أقام المطعون عليه الثاني الدعوى رقم (…..) لسنة 1991 مدني شمال القاهرة الابتدائية بطلب إلزام الطاعنة بأن تؤدي له مبلغ 50000 جنيه, والفوائد القانونية, قولاً منه إنها – للخلافات المشار إليها – أبلغت جهة الشرطة ضده والمطعون عليه الثاني وآخر بالاعتداء عليها بالضرب كما أنه فتح مطلات على ملكها وضبط عن ذلك قضية الجنحة رقم (…..) لسنة 1987 شبين القناطر سالفة الذكر واتهمته أيضاً بذلك في الجنحة رقم (….) لسنة 1988 شبين القناطر, كما أقامت ضده بطريق الادعاء المباشر قضية الجنحة رقم (…..) لسنة 1988 شبين القناطر تتهمه فيها بذات الوقائع المبلغ عنها, وقد قضى ببراءته مما نسبته إليه في تلك الجنح جميعها بحكم صار باتاً. وإذ لحقته من جراء ذلك أضرار مادية وأدبية يقدر التعويض الجابر لها بالمبلغ المطلب به فقد أقام الدعوى. كما أقامت الطاعنة الدعويين رقمي (….) لسنة 1991, (…..) لسنة 1991 مدني شمال القاهرة الابتدائية ضد المطعون عليهما المذكورين بطلب الحكم بإلزام كل منهما بأن يؤدي لها مبلغ 250000 جنيه تعويضاً على قالة أنهما تعديا عليها بالضرب مما أدى إلى إصابتها بأزمة قلبية سافرت على أثرها للعلاج في الخارج وانحسم النزاع بينهما صلحاً بيد أنهما أقاما ضدها الدعويين سالفتيّ الذكر بما يُعد إساءة لاستعمال حق التقاضي وقد لحقتها أضرار مادية وأدبية تقدر التعويض عنها بالمبلغ المطالب به ومن ثم أقامت هاتين الدعويين.

 

  • ضمنت المحكمة الدعاوي الأربعة ثم حكمت بتاريخ 31/ 8/ 1994 في الدعوى رقم (…..) لسنة 1991 مدني كلي شمال القاهرة بإلزام الطاعنة بأن تؤدي للمطعون عليه الأول مبلغ 10000 جنيه تعويضاً عن الأضرار الأدبية والفوائد القانونية. وفي الدعوى رقم (….) لسنة 1991 بإلزامها بأن تؤدي للمطعون عليه الثاني مبلغ 5000 جنيه تعويضاً عن الأضرار المادية، 5000 جنيه تعويضاً عن الأضرار الأدبية والفوائد القانونية وفي الدعويين رقمي (….) لسنة 1991, (….) لسنة 1991 برفضهما. استأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئنافين رقميّ (….) لسنة 111 ق, (….) لسنة 111 ق, كما استأنفه المطعون عليهما لدى ذات المحكمة بالاستئناف رقم (….) لسنة 111 ق أمرت المحكمة بضم الاستئنافات الثلاثة . وفي 9/ 11/ 1995 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض, وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه, وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.

 

  • وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت لدى محكمة الموضوع بأن إبلاغها في حق المطعون عليهما كان نتيجة لما وقع فعلاً من اعتداء على نفسها ومالها ولاعتقادها بأن الشكوى تحقق لها الحماية القانونية وأنها السبيل إلى ذلك وإلى درء تكراره ولم تقصد محض الإضرار بهما, وأنها كانت تستعمل حقاً مشروعاً ولم تنحرف به إلى الكيد والعنت, غير أن الحكم المطعون فيه لم يعرض لهذا الدفاع الجوهري، هذا إلى أن الأحكام الجنائية الصادرة في قضايا الجنح أرقام (….) لسنة 1987، (…..) لسنة 1988، (…..) لسنة 1988 شبين القناطر ببراءة المطعون عليه الثاني لم تفصل في صحة البلاغ أو سوء قصدها وإنما كان مبناها الشك الذي تفسره المحكمة لصالح المتهم، كما وأن النيابة العامة لم ترفع الدعوى الجنائية ضد المطعون عليه الأول واستبعدته من الاتهام بما مؤداه أن هذه الأحكام لا تكون لها حجية أمام القضاء المدني، غير أن الحكم خالف الثابت بالأوراق وأعتد بحجية الأحكام الجنائية المشار إليها في ثبوت عدم صحة الوقائع المبلغ بها وتوافر نية الانحراف بحق الطاعنة في الإبلاغ والتقاضي ورتب على ذلك توافر الخطأ في جانبها وألزمها بالتعويض المقضي وهو ما يعيبه ويستوجب نقضه.

 

  • وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن مفاد النص في المادتين الرابعة والخامسة من القانون المدني أن من استعمل حقه استعمالاًً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر بالغير، وأن استعمال الحق يكون غير مشروع إذا لم يقصد به سوي الإضرار بالغير وهو ما يتحقق بانتفاء كل مصلحة من استعمال الحق، وأن حق التقاضي وحق الإبلاغ وحق الشكوى من الحقوق المباحة للأشخاص واستعمالها لا يدعو إلى مساءلة طالما لم ينحرف به صاحب الحق ابتغاء مضارة المبلغ ضده، ولا يُسأل من يلج أبواب القضاء تمسكاً بحق يدعيه لنفسه أو زوداً عن هذا الحق إلا إذا ثبت انحرافه عنه إلى اللدد في الخصومة والعنت مع وضوح الحق ابتغاء الإضرار بالخصم، وأن تبليغ الجهات المختصة بما يقع من الجرائم لا يُعد خطأ تقصيرياً يستوجب مسئولية المبلغ إلا إذا ثبت كذب الواقعة المبلغ بها وأن التبليغ صدر عن سوء قصد وبغية الكيد والنيل والنكاية بمن أُبلغ عنه أو ثبت صدور التبليغ عن تسرع ورعونة وعدم احتياط. فمجرد عجز المبلغ عن إثبات الوقائع المبلغ عنها لا يقطع حتماً بكذبها، كما أن المقرر أنه ولئن كان استخلاص الفعل الذي يؤسس عليه طلب التعويض مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع إلا أنه يشترط أن يكون هذا الاستخلاص سائغاً وله أصل ثابت بالأوراق فضلاً عن أن تكييف هذا الفعل بأنه خطأ أو نفي هذا الوصف عنه وهو من مسائل القانون التي تخضع لرقابة محكمة النقض، فيتعين على الحكم الذي ينتهي إلى مسئولية خصم عن الأضرار الناشئة عن استعمال حق التقاضي أن يورد العناصر الواقعية والظروف الحاصلة التي يصح استخلاص نية الانحراف والكيد منها استخلاصاً سائغاً. لما كان ما تقدم، وكان مفاد نص المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 102 من قانون الإثبات أن للحكم الصادر في الدعوى الجنائية حجية الشيء المحكوم فيه أمام المحاكم المدنية وإذا كان الحكم الجنائي قد فصل فصلاً لازماً في أمر يتعلق بوقوع الفعل المكّون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفي الوصف القانوني للفعل ونسبته إلى فاعله فإن فصلت المحكمة الجنائية بحكم بات في هذه المسائل امتنع على المحاكم المدنية مخالفة الحكم الجنائية السابق عليه، أما قضاء المحكمة الجنائية بالبراءة للشك الذي تفسره المحكمة لصالح المتهم لا يدل بمجرده على كذب الواقعة المبلغ عنها ولا يمنع المحكمة المدنية من إعادة بحث عناصر المسئولية المدنية طالما لم تفصل المحكمة الجنائية في هذا الأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية. كما أن استبعاد النيابة العامة أحد المتهمين من الاتهام وإقامة الدعوى الجنائية على غيره لا ينهض دليلاً على عدم صحة الوقائع المبلغ بها، ولا يقيد ذلك المحكمة المدنية التي يجب ألا تبني قضاءها إلا على ما يقتضيه بحثها عناصر المسئولية من النزاع المطروح عليها. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بمسئولية الطاعنة وبإلزامها بالتعويض المقضي به على قوله “……. إن المستأنفة – الطاعنة – أساءت حقها في الإبلاغ والتقاضي….. وكان ذلك منطوياً على سوء قصد متسماً بالرعونة والتهور ابتغاء مضارة المبلغ ضده وثبت ذلك بأحكام جنائية باتة ذلك أنها أبلغت كذباً بأن المستأنف ضده الثاني تعدى عليها في الجنحة رقم (……) لسنة 1987 شبين القناطر وصدور حكم جنائي بات ببراءته لأن الواقعة ملفقة، كما أنها أبلغت كذباً بأن المستأنف ضدهما تعديا عليها بالضرب……. رغم علمها بعدم تواجدهما بالبلدة……. وإذ تحرر عن الواقعة المحضر رقم……. واستبعدت النيابة العامة المستأنف ضده الأول من الاتهام وقدمت الثاني إلا أنها رغم ذلك رفعت الجنحة رقم (…..) لسنة 1988 شبين القناطر…. ضد المستأنف ضدهما وقد صدر حكم جنائي بات بالبراءة لعدم صحة الواقعة لعدم تواجد المستأنف ضدهما بالبلدة حسبما أسفرت عنه تحريات المباحث وكان هذا الذي ساقه الحكم المطعون فيه وأقام عليه قضاءه لا يصلح سنداً لتوافر الخطأ الموجب للتعويض فهو لا يكفي لإثبات انحراف الطاعنة عن حقها المكفول في الإبلاغ والتقاضي إلى الكيد والعنت واللدد في الخصومة بقصد مضارة المطعون ضدهما هذا إلى أن الثابت من الأوراق أن مبنى الحكم ببراءة المطعون عليه الثاني في الأحكام الجنائية سالفة البيان هو الشك الذي تفسره المحكمة لصالح المتهم وهو ما لا يدل بمجرده على كذب الوقائع المبلغ بها, ولم يكن مبناه الكيدية وعدم الصحة – على ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه – هذا إلى أن النيابة العامة لم تقم الدعوى الجنائية ضد المطعون عليه الأول في الجنحة المذكورة واستبعدته من الاتهام وقدمت غيره للمحاكمة الجنائية وهذا الذي انتهت إليه النيابة العامة بالنسبة له – أياً كان سنده – لا ينهض بذاته دليلاً على عدم صحة الواقعة المبلغ بها. كما أنه لم يكن متهماً محكوماً عليه في الأحكام الجنائية آنفة البيان فلا يكون له أن يستند إلى حجيتها أو أن يفيد من أي تقريرات تكون وردت في سياق مدونات أسبابها ما دام أنها لم تفصل في أمر يكون الأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية على ما سلف بيانه. وإذ خالف الحكم المطعون فيه النظر وأعتد بحجية الأحكام الجنائية في أمور لم تفصل فيها واتخذ منها دليلاً على قيام الخطأ الموجب للمسئولية رغم أنها لا تصلح ما انتهى إليه. وإذ لم يبين العناصر الواقعة والظروف الحاصلة التي استخلص منها توافر نية الانحراف والكيد لدى الطاعنة فإنه يكون قد أقام قضاءه على واقعة ظنية افترضها دون أن يكون في الأوراق ما يرشح لقيامها أو توافر دليل على ثبوتها وحجب نفسه بذلك عن بحث وتمحيص دفاع الطاعنة الوارد بسبب النعي رغم أنه جوهري من شأنه – لو صح – أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.