أسباب رد القضاة وتنحيهم 8 أسباب علي سبيل الحصر

 

في التقرير التالي “الناس و القانون” ترصد أسباب رد القضاة، إذ يقول الآستاذ/ أشرف فؤاد. المحامي بالنقض; أن “تنحِّي القضاة وردُّهم عن الحكم”، المراد يراد به رد المحكمة في الحالات التي يَلزم القاضيَ فيها أن يَتنحَّى عن نظر القضية، والحالات التي يسوَّغ فيها للقاضي من تلقاء نفسه أن يتنحَّى عن التصدي لنظر القضية؛ لقيام مُوجِبٍٍ لذلك، ويُحيل القضيَّة إلى قاضٍ آخرَ، وأما رَدُّ القاضي عن الحكم، فهو حقُّ الخصوم في طلب مَنْع القاضي من نظر الخصومة؛ لقيام مُوجبٍٍ لذلك، وقد بيَّنتْ موادُّ هذا الباب الأسبابَ المُوجِبةَ أو المسوِّغةَ للتنحِّي والرد.، أن أسباب رد القاضي “المحكمة“، هي نفسها أسباب تنحي القاضي، وهي أسباب جاءت علي سبيل الحصر, بمعني أنها أسباب حصرية حددها القانون بثمان حالات, لا يجوز القياس عليها أو التوسع فيها وهي:

تنحِّي القضاة وردُّهم عن الحكم، مَنعُ القاضي من النظر في قضيَّة له علاقة بها،

1- إذا كان له أو لزوجته مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في الدعوى ولو بعد انحلال الزواج.

2- إذا كان بينه أو بين أحد الخصوم قرابة أو مصاهرة حتى الدرجة الرابعة.

3- إذا كان خطيباً لأحد الخصوم.

4- إذا سبق أن كان وكيلاً لأحد الخصوم في أعماله أو وصياً عليه.

5- إذا سبق له أن كان شاهداً في القضية.

6- إذا كان أحد المتداعين قد اختاره حكماً في قضية سابقة.

7- إذا وجد بين القاضي وبين أحد المتداعين عداوة شديدة ( لقد ساوى القضاء في هذه الناحية بين العداوة الشديدة والمحبة العالية ).

8- إذا أقيمت بينه وبين أحد المتداعين أو أحد أقاربه أو مصاهريه حتى الدرجة الرابعة دعوى مدنية أو جزائية خلال السنوات الخمس السابقة.

إذا توافر أي سبب من أسباب الرد  الثمانية سالفة الذكر، ولم يقم القاضي بالتنحي بالرغم من ذلك، كان للخصوم الحق في طلب رده، والتمسك بتنحيته عن نظرها.

 

ويعد التمسك بهذه الأسباب في كل من القانون المصري والعراقي والفرنسي حق جوازي للخصم، إن شاء تمسك بها، وإن شاء سكت عنها، في حين أنها في القانون الأردني والليبي من النظام العام، فالقاضي ممنوع من سماع الدعوى، إذا ما توافر أحد الأسباب السابقة ولو لم يرده أحد من الخصوم. وهذا ما يتفق مع الفقه الإسلامي، إذ يجب على القاضي الامتناع عن نظر الدعوى من تلقاء نفسه إذا ما توافر أحدى حالات عدم الصلاحية وإن رضي الخصم بحكمه، وإن كان ذلك لا يمنع الخصم المتضرر من رد القاضي، إذا علم أنه ممنوع من سماعها، بحيث إذا حكم كان حكمه باطلا، مستحقا للفسخ.

 

إن المشرع المصري قد توسع فى النص على حالات وإجراءات وضمانات رد القضاة فى قانون المرافعات المدنية والتجارية وأورد على سبيل الحصر تلك الحالات بحسبان أنها تتعلق بجهة القضاء العام الملزم فى المجتمع ، والذي لا يشارك أفراد المتقاضين فى اختياره ، بينما ضيق المشرع من تلك الحالات والإجراءات في قانون التحكيم بحسبان أنه يتعلق بقضاء خاص يختار أفراد المتقاضين قانونه وقضاته.

 

مَنعُ القاضي من النظر في قضيَّة له علاقة بها، أو يتأثَّر أو يستفيد بالحكم فيها؛ لوجود علاقة أو رابطة مع أحد الخصوم؛ إذ إن من الواجب على القاضي أن يكون مُنصفًا بين الطرفين، ساعيًا إلى إحقاق الحقِّ، والفصل في الخصومة دون مَيلٍ لأحد الطرفين، والنفس البشريَّة مَجبولة على الضَّعف والطَّمع، إلاَّ مَن رَحِم الله تعالى، ولا أحد من البشر، غير الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – يَملِك العصمة في تصرُّفاته، أو يستطيع التجرُّد من مشاعر المَيْل والود لأحد الأطراف، ممن تَربطه بهم علاقة، ويَسرُّه ما يسرُّهم، ويُحزنه ما يُحزنهم.

 

ولذا فإن القاضي لا يُؤمَن منه الحَيْف والميل مع أحد الطرفين؛ لوجود علاقة مؤثِّرة معه؛ ولذا حسَم الفقه الإسلامي والقانون الوضعي هذه المسألة، فمنَع القاضي من نظر قضيَّة له فيها مصلحة، أو تَربطه رابطة قويَّة بأحد أطرافها، وكما لا تُقبل شهادة الإنسان لنفسه، أو ولده أو زوجه، فكذا لا يُقبل أن يكون قاضيًا بين زوجه أو ولده، وطرفٍ آخر؛ لأنه لا يُؤمَن منه الحَيْف بسبب ذلك؛ ولذا كان من الخير للقاضي وللخصوم ألاَّ يكون بينهم علاقة أو رابطة تَحول بين القاضي وتحقيق الإنصاف، أو تَجعله محلَّ التُّهمة، حتى ولو أنصَف من نفسه، وحكَم على قريبه.

 

وقد جاء قانون المرافعات التجارية والمدنية المصري  لبيان الأسباب التي يُمنع القاضي بسببها من نظر الدعوى منعًا باتًّا، ومن أهم تلك الأسباب: وجود علاقة الزوجيَّة، أو المصاهرة، أو القرابة القريبة بين القاضي وأحد الخصوم، أو وجودُ مصلحة مظنونة للقاضي في القضية، ونحوُ ذلك من الأسباب المُفصلة في المادة.

 

وإذا خالَف القاضي أسباب الرد، و إستمر في نظَر قضيَّة يُمنع من نظرها للأسباب المذكورة آنفًا، فإن حُكمه يقع باطلاً لا عِبرة به، وفي هذه الحالة جاز للخَصم أن يطلبَ إلغاءَ الحكم، وإعادة نظر الطَّعن أمام قاضٍ آخرَ.

 

 وأسباب الرد والتنحي تَمنع القاضي من نظر الدعوى في جميع مراحلها؛ سواء أكان ناظرًا لها أم مستخلفًا، وسواء أعَلِمَ القاضي والخَصم بذلك، أم لَم يَعلَما.

 

أسباب رد القضاة وتنحيهم متي توافرت يجوز للقاضي أن يتنحَّى عن نظر القضية بسببها، كما يجوز للخصوم أن يطلبوا منه التنحِّي كذلك، وهذا حقٌّ جوازي، فللقاضي والخصوم الاستمرار في نظر القضيَّة، مع وجود هذه الأسباب برضاهم.

 

ومن سياق ما تقدم يمكننا القول أنه يجوز ردُّ القاضي لأحد الأسباب الآتية:

 

أ- إذا كان له أو لزوجته دعوى مماثلة للدعوى التي يَنظرها.

 

ب- إذا حدَث له أو لزوجته خصومة مع أحد الخصوم، أو مع زوجته بعد قيام الدعوى المنظورة أمام القاضي، ما لَم تكن هذه الدعوى قد أُقيمت بقَصْد ردِّه عن نظر الدعوى المنظورة أمامه.

 

ج- إذا كان لمُطلقته التي له منها ولدٌ، أو لأحد أقاربه، أو أصهاره إلى الدرجة الرابعة – خصومة قائمة أمام القضاء مع أحد الخصوم في الدعوى، أو مع زوجته، ما لَم تكن هذه الخصومة قد أُقيمَت أمام القاضي بقَصْد ردِّه.

 

د- إذا كان أحد الخصوم خادمًا له، أو كان القاضي قد اعتادَ مُؤاكلة أحد الخصوم، أو مُساكنته، أو كان قد تلقَّى منه هديَّة قُبيل رَفْع الدعوى أو بعده.

 

هـ- إذا كان بينه وبين أحد الخصوم عداوةٌ أو مودَّة، يُرَجَّح معها عدمُ استطاعته الحكم بدون تحيُّز”.

 

والجدير بالذكر أنَّ اتفاق الخصوم على نظر الدعوى، أو استمرار نظرها مع وجود سبب من أسباب الردِّ المذكورة في هذه المادة، يُسقط حقَّهم في طلب الرد.

 

كما أنه يُقبل طلبُ الردِّ في جميع مراحل الدعوى حال العلم به، وإلاَّ سقَط الحقُّ فيه.

 

كما أنه لا يجوز للقاضي الامتناع من القضاء في قضية معروضة عليه، إلاَّ إذا كان ممنوعًا من نظر الدعوى، أو قام به سببُ الرد، وعليه أن يُخبر مرجعه المباشر؛ للإذن له بالتنحِّي، ويُثْبَت هذا كله في محضر خاصٍّ يُحفظ بالمحكمة.

 

يَحصل الرد بتقرير في إدارة المحكمة، يوقِّعه طالب الرد نفسه، أو وكيله المفوَّض فيه بتوكيل خاصٍّ، ويُرفق التوكيل بالتقرير، ويجب أن يشتملَ تقرير الرد على أسبابه، وأن يُرفَق به ما يوجد من الأوراق المؤيِّدة له، وعلى طالب الرد أن يُودِعَ عند التقرير ألفَ ريال تؤول للخزينة العامة إذا رفضَ طلب الرد.

 

المقصود بالعداوة المسوِّغة للرد، هي ما نشَأ عن أمر دنيوي، مما فيه تعرُّض للنفس، أو العِرض، أو الولد، أو المال، ويُرجَع في تقديرها عند الاختلاف إلى ناظر الرد، وهو رئيس المحكمة، أو رئيس المحاكم.

 

كانت هذه خلاصة ما ورَد في تنحِّي القاضي وردِّه عن الحكم في القضية للأسباب المُفصلة في النظام، وهي تعد ضمانة للخصوم وحماية للقاضي؛ كي لا يتصدَّى للحكم في قضية تتعلَّق به، أو له فيها مصلحة، أو تتعلَّق بقريب ونحوه، روَى عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قوله: “مَن عرَّض نفسه للتُّهم، فلا يَلُومَنَّ مَن أساء به الظنَّ”.