القصد الجنائي في جرائم القتل و الفرق بين القصد المباشر و القصد الاحتمالي واقصد المحدود وغير المحدود ومتي يلزم توافر القصد و هل يعفي من العقاب الغلط في شخص المجني عليه .. !!؟

في التقرير التالي تلقي “الناس و القانون” الضوء علي القصد الجنائي في جرائم القتل وما الفرق بين القصد المباشر والقصد الاحتمالي وهل يعفي من العقاب الغلط في شخص المجني عليه .. !!؟ ، بقلم “أشرف فؤاد” المحامي بالنقض.

ماهية القصد الجنائي 

القصد الجنائي : هو الركن المعنوي في الجرائم العمدية ، ويعني اتجاه إرادة الجاني إلي تحقيق النتيجة الإجرامية التي يعاقب عليها القانون ، فعنصريه هما (العلم والارادة) . وهو ما يعرف بإسم القصد الجنائي العام.

إلا ان بعض الجرائم تتطلب قصد أخر بجوار القصد العام ، وهو القصد الخاص وهو المتمثل في نية الجاني، ومن هذة الجرائم علي سبيل المثال جريمة القتل العمد (نية اوهاق روح انسان) ، وجرائم السرقة >نية التملك) 

أهم الإشكالات العملية التي يثيرها القصد الجنائي :

إن النتيجة الاجرامية في القتل العمد هي :إزهاق روح إنسان حي ، ومن ثم يكون القصد الجنائي في هذة الجناية هو : اتجاه إرادة الجاني إلي إزهاق روح إنسان حي ، بغض النظر عن شخص المجني عليه فلا فرق في هذة الحالة بين إرادة إزهاق روح أمل أو روح عمر ، فكلاهما إنسان حي . وتترتب على ذلك عدة نتائج اأهمها :

1 ــ  الغلط في شخص المجني عليه 

لا عبرة بما إذا كان الجاني قد أراد قتل عمرأً، فأطلق عليه النار وهو يظنه بالفعل عمرأً ، لكن تبين بعد ذلك أنه شخص اخر ( أمل)  الذي يشبهه عمر تقريباً . فالجاني هنا أراد قتل إنسان حي ، وقد قتل بالفعل إنساناً حياً . ولا يقبل منه الدفع بالغلط في شخصية المجني عليه ، لأن القانون لا يحمي حياة عمر فقط ، بل يحمي حياة امل أيضاً ، وحياة كل إنسان حي .ولذلك يحاكم الجاني هنا عن جريمة القتل العمد.

2 ــ الحيدة عن الهدف 

 لا يقبل من الجاني ان يدفع بأنه لم يكن يقصد قتله المجني عليه (أمل) ، بل كان يقصد قتل (عمر) الذي كان يقف او يسير أو يجلس جواره ، وأن العيار التاري الوحيد الذي أطلقه أصاب المجني عليه على غير رغبته و إرادته ، بمعنى أنه قد حاد عن هدفه .

بل في حالة الحيدة عن الهدف من جانب  الجاني يعاقب عن جريمتين هما :

أ ــ  جريمة قتل عمد مكتملة الاركان (جريمة تامة) :  وذلك بالنسبة للمجني عليه (أمل) الذي قتل بالفعل .

ب ــ جريمة الشروع في القتل العمد: وذلك بالنسبة لمن كان يقصد قتل (عمر) وهو أخطأ في عياره ، لأنه استنفد بالفعل سلوكه الإجرامي اللازم لتحقيق تلك النتيجة ولكن خاب أثرها لسبب لا دخل لإرادته فيه ، هو الحيدة عن الهدف .

وهذه الحالة تمثل تعدداً معنوياً للجرائم ، لأنه أتى سلوكاً مادياً واحداً ، ومن ثم يعاقب بالعقوبة المقررة للوصف الأشد ، وهي عقوبة القتل العمدي التام .

  • الجدير بالذكر  أنه إذا كان الجاني في الحالة الأخيرة ( حالة الحيدة عن الهدف ) إذا تبين له وقت اطلاق العيار الناري علي عمر أنه أخطأ هدفه بالعيار الأول الذي قتل شخصاً لا يقصده (أمل) ، ثم أطلق عياراً ثانياً  على عمر الذي كان يقصده منذ البداية ، فقتل عمر بالفعل في هذه المرة الثانية ( أي بالعيار الثاني ) ، أو قد أصابه فقط وتم إنقاذه من الموت ، في هذة الحالة يكون الجاني قد ارتكب جناية قتل عمد مقترنة بجناية قتل عمدي أخرى أو الشروع فيها بحسب الأحوال  . هو ما يعرف بحالات التعدد المادي أو الحقيقي للجرائم.

3 ــ الغلط في محل الحماية الجنائية في القتل العمد ينفي قصد القتل العمد

لما كان القصد الجنائي في القتل العمد ، هو اتجاه إرادة الجاني إلي إزهاق روح إنسان حي ، فلا بد أن يثبت فعلاً أنه أي الجاني كان يريد إزهاق روح إنسان حي .

بينما إذا ثبت أن الجاني حين أطلق عياره الناري على مصدر صوت حركة تأتي من وسط زراعته مثلاً ، كان يعتقد فعلاً أن هدفه حيوان مفترس يختبئ وسط تلك الزراعات ، ولكن تبين أنه كان إنساناً حياً ، فإن الجاني لا يسأل عن قتل عمد ولا عن شروع فيه ، لانتفاء قصده الجنائي لحسن نيته ( أي لغلطه في محل الحماية الجنائية في القتل العمد ) . لكنه قد يسأل عن جريمة قتل خطأ أو إصابة خطا حسب الأحوال إذا توافرت أركانها .

4 ــ لا أثير للباعث على القصد العمدي في القتل :

متي كانت إرادة الجاني قد اتجهت إلي قتل إنسان حي ، فقد ثبت قصده الجنائي . أما لو فرض أن المجني عليه كان مصاب بمرض ميؤوساً من شفائه ، والجاني قصد من قتله و باعثه هو تخليص المجني عليه من آلامه، وهو ما يعبر عنه أحياناً بالقتل للشفقة (قتل الشفقة) .

في هذة الحالة هذا الباعث أياً كان وصفه لا أثر له على ثبوت القصد الجنائي للجاني ، ومن ثم لا أثر له على توافر أركان جريمة القتل العمد ، وإن من الجائز أخذ نبل الباعث ظرفاً مخففاً للعقوبة الجنائية .

وإذا كان الباعث شرير أو خسيس كأن يكون الجاني قد ارتكب جريمته  ، رغبة منه في الانتقام من المجني عليه او من ذويه ، أو لفشله في النيل من المجني عليه ، أو تمهيداً لارتكاب جريمة أخرى ، أو لإخفاء آثار تلك الجريمة، أو لتضليل العدالة أو لأي باعث آخر من هذا القبيل ، فإن هذا الباعث الشرير لا يضيف شيئاً جديداً إلي القصد الجنائي ، وإنما ينحصر أثره كظرف مشدد للعقوبة  الجنائية أو عدم معاملة الجاني بأية رأفة مقررة بالمادة 17 عقوبات.

عناصر القصد الجنائي في القتل العمد 

للقصد الجنائي في جريمة القتل العمد عنصرين أثنين يلزم توافرهما .

العنصر الاول (إرادة النتيجة المعاقب عليها قانوناً) ، فإذا انتفت إرادة إزهاق روح إنسان ، فقد تخلف القصد الجنائي في جناية القتل عمداً ، وبالتالي لا تقوم تلك الجريمة ، مالم تتوافر أركان جريمة أخرى كالقتل الخطأ.

العنصر الثاني ( العلم بحقيقة الواقع ) ، أي العلم الذي لا يشوبه غلط في محل الحماية الجنائية وهي روح الإنسان الحي .

 إن ثبوت الإرادة والعلم على هذا النحو ، يغني عن الكثير من الأمور التي قد تثور في هذا الصدد ، كعلم الجاني بأن سلوكه الإجرامي صالح لإحداث النية المعاقب عليها ، وأن الوسيلة التي يستخدمها في ذلك صالحة لإحداث الوفاة بطبيعتها أو في الظروف المستخدمة فيها .

كما أن ثبوت الإرادة والعلم علي هذة الكيفية ، يغني عن تطلب أن يكون الجاني قد توقع أن يؤدي سلوكه إلى النتيجة المعاقب عليها قانونا ، لأنه لا محل للحديث عن مجرد توقع في ضوء وجود إرادة ثابتة، فثبوت الإرادة يجب ويستغرق فكرة التوقع ويغني عنها تماما ، باعتبار تلك كلها أمورا ذهنية لدي الجاني .

كما إنه من ناحية أخرى فإن الحديث عن توقع النتيجة من عدمها قد يؤدي من ناحية إلى الخلط بين الأمور الذهنية للجاني وهي مسألة تتعلق بالقصد الجنائي أي الركن المعنوي للجريمة وبين القوانين الطبيعية للسببية ( وهي مسألة تتعلق بالركن المادي للجريمة .

ومن ناحية ثالثة فإن إثارة فكرة توقع النتيجة من عدمها ، في هذا المقام ، قد تؤدي إلي الخلط بين عناصر القصد الجنائي، وبين صورة أخرى للقصد الجنائي هي صورة القصد الاحتمالي.

كما انه ليس من بين عناصر العلم ، المطلوب إثباتها لقيام القصد الجنائي ، العلم بحكم القانون في السلوك الإجرامي للجاني والنتيجة التي سعي إليها ، لأن العلم بالقانون الجنائي مفترض في الكافة ، بحيث لا يعذر أحد بجهله في القانون ولا بغلط فيه .

عدم جواز الخلط بين القصد الجنائي و علاقة السببية 

لتوضيح عدم جواز الخلط بين القصد الجنائي و علاقة السببية نضرب مثلا عملياً لجريمة توضح الامر: فلو فرض أن الجاني قاصداً قتل المجني عليه ضربه ضرباً مبرحاً قاصداً من ذلك قتله ، فأفقده الوعي تماماً وأعجزه عن الحركة لدرجة أنه أي الجاني اعتقد أن المجني عليه قد مات فعلاً ، فقام بإلقائه في ترعة ، أو في حفرة وأهال عليه التراب ، أو أشعل فيه النيران وهو يظن أنه يفعل ذلك كله في جثة وليس في إنسان حي ، لكن المجني عليه كان ما يزال على قيد الحياة رغم الجولة الأولى من السلوك الإجرامي للجاني ، ولم يلفظ أنفاسه الأخيرة إلا بسبب الجولة الثانية من سلوك الجاني ، فهل يجوز للجاني أن يدفع بأنه لم يرتكب قتلاً عمداً تاماً، وإنما ارتكب شروعاً في قتل عمد( بالجولة الأولى من سلوكه الإجرامي)، وقتلاً خطأ ( بالجولة الثانية من سلوكه الإجرامي ) ؟ .

نحن لا نعتقد ذلك ، ولا يجوز الدفاع عن مثل هذا القول ، وذلك للأسباب التالية :

1 ــ أن السلوك الإجرامي للجاني وإن كان حدث على مراحل ، إلا أنه في مجموعة كان في إطار نشاط إجرامي واحد هدفه المجمل الرئيسي هو القتل العمد ، ثم إخفاء الجثة إمعاناً في تضليل العدالة .

2 ــ أن كل مرحلة من مراحل السلوك الإجرامي للجاني صالحة بذاتها لإحداث النتيجة التي يريدها ، وهي إزهاق روح المجني عليه ، وقد تحققت النتيجة بالفعل من السلوك الإجرامي في مجموعه كجزء واحد لا يتجزأ .

3 ــ القول بغير ذلك يعني مكافأة الجاني في النهاية على تمثيله بما اعتقد أنه جثة ، أو على محاولة تضليل العدالة ، بينما يجب معاملته على العكس من ذلك تماماً بالنظر إلى خطورة وجسامة أفعاله الإجرامية في إطار ذلك السلوك الإجرامي الواحد .

4 ــ القول بالتشكيك في وجود قصد جنائي في المرحلة الثانية من سلوك الجاني وأنه قد وقع في غلط لاعتقاده بتعامله مع جثة وليس إنساناً حياً، هو مبالغة في تسطيح الأمور ، وهو ما يطلق عليه بنظرية ” هندسة القانون ” ، أي التعويل على حرفية الألفاظ أكثر من مدلولها على حساب العقل و المنطق والوجدان ، الذي هو أساس الامتناع في المسائل الجنائية.

5 ــ  أنه ليس فيما نراه أي خروج على أي قاعدة قانونية جنائية ولا منطقية ولا عقلية .

القصد في جريمة القتل العمد هل هو قصد عام أم قصد خاص؟.

من المتفق عليه أن تكون لدى الجاني في جريمة القتل العمد (نية إزهاق روح المجني عليه) ، ويستوي بعد ذلك في نظرنا الاختلاف في آراء الفقه أو أحكام القضاء .  حول تسمية إرادة إزهاق الروح ، أو نية إزهاق الروح ، فهي مجرد اختلافات لفظية .

كما نرى نفس الشيء بالنسبة لتسمية القصد الجنائي اللازم لقيام جريمة القتل العمد ، بالقصد الجنائي العام أو القصد الجنائي الخاص ، ما دام الكل متفق على معنى واحد وهو التأكد من أن الجاني قد أراد فعلاً إزهاق روح المجني عليه.

 العبرة ليست بالألفاظ والمباني ، وإنما بالمقاصد والمعاني . وما دام المعنى المراد هو التأكد من أن الجاني قد أراد فعلاً إزهاق روح المجني عليه ، فيستوي أن نسمي ذلك “نية” أو” قصداً” ، ” تماماً ” أو ” خاصاً ” ، ما د منا متفقين على عناصر بنيان القصد الجنائي ( أو الركن المعنوي ) في جريمة القتل العمد .

كما نري إن مجرد تسميته الجريمة بـ “لقتل العمد” ، فلفظ ” العمد ” ، هنا ، يكفي جداً أو يحول دون الاختلاف في التسمية ،فضلا عن  أنه يميز بوضوح تلك الجريمة عن جريمة الضرب المفضي إلى موت، وكذا عن جريمة القتل الخطأ ، لأنه هنا ” قُتل عمداً “.

القصد المباشر و القصد الاحتمالي 

* يقصد بتعبير ” القصد المباشر ” الحالة الذهنية لدى الجاني الذي أراد إحداث نتيجة معينة وسعى لها سعيها فحدثت بالفعل . كمن اتجهت إرادته غلي قتل شخص معين فأطلق عليه النار فسقط قتيلاً … فالجاني هنا أراد هذه النتيجة ، وكان له ما أراد .

بينما قد يحدث أن الجاني يريد قتل ذلك الشخص ، ولكنه يدرك أنه لن يستطيع النيل منه بمفرده ، لأنه دائماً يحيط نفسه بمن يحرسه ، أو انه لا يوجد وحده إلا نادراً جداً وفي أحوال يكون فيها بعيداً عن متناول الجاني . فيعقد الجاني العزم على قتل ذلك الشخص حتى ولو مات معه آخرون لا يعرفهم الجاني ولا يريد قتلهم ، بل وقد يتمنى ألا يكونوا مع غريمه أو أن ينجو هم من الموت دون غريمه . وقد يكون المكان المتاح لتنفيذ الجاني جريمته هو طائرة يستقلها المجني عليه مع غيره ، أو قاعة يحضر فيها اجتماعاً ، أو مناسبة اجتماعية يحضرها ، فيقدم الجاني على تنفيذ جريمته في هذا المكان قاصداً ومريداً قتل عدوه ، وقابلاً في الوقت نفسه ما قد يحدث للآخرين من موت أو إصابة ، في ضع قنبلة تنفجر في هذا المكان ، أو يهاجم الجمع بسلاح آلي ، أو يشعل النار فيه ….الخ . فيقتل غريمه ، كما يقتل أو يصيب بعضاً ممن كانوا معه .

 صورة القصد الجنائي المباشر هنا تكمن في قصد الجاني بالنسبة لغريمه الذي أراد قتله ، فهو قصداً مباشراً ، أما بالنسبة للاخرين لمن لايريد موتهم ولا إصابتهم ولكنه قبل ذلك في سبيل تنفيذ إرادته ، فيكون لدينا ما يسمى بالقصد الاحتمالي … بمعني أنه لم تتجه إرادة الجاني إلي قتلهم ولا إصابتهم ، ولكنه قبل ذلك وارتضاه .

 ومن ثم لا يعدو القصد الاحتمالي الا كونه حالة ذهنية لدى الجاني ، يقبل فيها حدوث نتيجة إجرامية لا يريدها ، في سبيل حدوث النتيجة الإجرامية التي اتجهت إرادته إليها .

ويسأل الجاني عن قتل عمد في حالة القصد المباشر كما في حالة القصد الاحتمالي . وذلك أمر منطقي .

 يجدر بنا أن نوضح أن فكرة ” القصد الاحتمالي ” إذن ليست إلا صلة قانونية مشروعة وعادلة تماماً ، للخروج من مشكلة عدم ثبوت القصد المباشر ، الذي هو الأصل في قيام واكتمال أركان الجريمة .

القصد الجنائي المحدود و القصد الجنائي غير المحدود 

القصد الجنائي المحدود : اتجاه إرادة الجاني إلي قتل شخص معين ، أي ينحصر قصده في إزهاق روح هذا الشخص تحديداً . ويسمى قصده الجنائي هنا بـ ” القصد المحدود “.

القصد غير المحدود : مثلما يحدث في عملية إرهابية أو تخريبية ، أوفي حالة هياج نفسي مثلاً ، أو تحت تأثير ثورة عاطفية معينة ، أو أي ظرف اجتماعي آخر ، أن يقدم الجاني على إطلاق النار أو إلقاء متفجرات على جمع من الناس قاصداً قتل أشخاص غير محددين وكيفما اتفق ، وبصرف النظر عمن يكونون . ويسمى القصد الجنائي هنا بالقصد ” غير المحدود ” وهو في الحقيقة مجموعة من المقصود الجنائية المجتمعة في ذهن الجاني ،

وإنما تعارف الفقه على هذه التسمية تعبيراً عن واقع الحال في هذا الفرض . وحكم القانون هنا هو مسئولية الجاني عن كل ما أدى إليه فعله من جرائم كاملة أو شروع فيها ، بما في ذلك ظرف الاقتران المشدد.

 متى يلزم توافر القصد الجنائي 

 للجريمة ركنان: ركن مادي و ركن معنوي .

يجب أن يوجد الركنان  المادي والمعنوي في زمن واحد ، أي أن يكون القصد الجنائي معاصراً للسلوك الإجرامي ، بحيث لو كان الجاني قد أتى السلوك الإجرامي في وقت ليس لديه قصد تحقيق النتيجة التي وقعت ، ولكنه بعد وقوعها احتفل بها وتمت لو كان قصدها من البداية ، فإن جريمته لا تكون جريمة عمدية ، ويجوز أن تكون جريمة غير عمدية لو توافرت أركانها .

وعلي العكس من ذلك : لو تو افر القصد الجنائي للقتل وقت السلوك الإجرامي ، ولكن تراخت الوفاة لفترة من الوقت كانت كافية لإحساس الجاني بالندم ، وتمنى لو لم يمت المجني عليه ، بل وحاول إسعافه لإنقاذه من الموت ، لكن النتيجة تحققت ومات المجني عليه بسبب سلوك الجاني ، فإن الأخير يكون مرتكباً لجناية القتل العمد.

ولايجوز أن يحتج في الفرض الأخير بعدول الجاني عن الجريمة ، لأن العدول الذي يعتد به هو الذي يحدث في مرحلة الشروع ، ( أي البدء في التنفيذ ) ، أما بعد استنفاد النشاط الإجرامي فلا محل للحديث عن عدول ، لأن مرحلة الشروع كانت قد انتهت .

إثبات قصد القتل في حكم الإدانة 

متي انتهت المحكمة إلي ثبوت جناية القتل العمد ، وإدانة الجاني بهذه التهمة ، هنا يجب علي المحكمة أن تورد في حكمها أدلتها على ثبوت وتوافر القصد الجنائي لدى الجاني ، وهو قصد أو نية إزهاق الروح وليس لهذا الإثبات صيغة معينة ، وإنما للمحكمة أن تعبر عن ثبوته بما اتضح لها من أدلة الإدانة ، ويتعين عليها أن يكون استخلاصها لذلك من أدلة لها أصل في الأوراق ، ومن أدلة طرحت في الجلسة ، وبالجملة أن يكون تسبيبها للحكم سليماً وصحيحاً وفقاً للقانون .

وهذا يعني أن استخلاص المحكمة لثبوت القصد الجنائي ( شأنه شأن ثبوت باقي أركان الجريمة ) هو مسألة موضوعية يقدرها قاضي الموضوع ، ولا رقابة عليه لمحكمة النقض إلا في الأحوال المقررة قانوناً وقضاءً ، كأن يكون الحكم مشوباً بالقصور في التسبيب ، أو الخطأ في تطبيق القانون ، أو الفساد في الاستدلال ، أو الإخلال بحق الدفاع …..الخ.