الحجية القانونية للرسائل و المحررات الإلكترونية في الإثبات في القانون المصري

في التقرير التالي تلقي “الناس و القانون” الضؤ علي موضوع يهم  ملايين المتعاملين إلكترونيا.. حيث أرست محكمة النقض المصرية مبدأ قضائيا غاية في الأهمية القصوي وهو : حجية الرسائل والمحررات الإلكترونية بشروط تحديد تاريخ ووقت الرسائل ، وأن يكون متاحا فنيا التأكد من مصدر الرسائل والمحررات الإلكترونية ، و تؤكد النقض : عدا ذلك لا حجية لتلك الرسائل .. بقلم “أشرف فؤاد” المحامي بالنقض.

محكمة النقض المصرية الدائرة المدنية والتجارية قد أصدرت ، حكماَ فريداَ من نوعه ، أرست فيه مبدأ قضائياَ فى غاية الأهمية القصوي هو : “حجية الرسائل الإليكترونية مشروطه بتحديد وقت وتاريخ الرسائل وأن يكون متاح فنياً التأكد من مصدرها، وعدا ذلك لا حجية لتلك الرسائل”، وهو على غير المتعارف عليه بأن الرسائل الالكترونية لا يجوز جحدها قانوناَ ولا يجوز طلب تقديم أصولها، ويُطعن عليها بادعاء تزويرها فقط”

حجية التوقيع الإلكتروني قانونياً

تظهر الأهمية الكبيرة للوسائل الإلكترونية  في ظل ما يشهده العالم حاليًا من انتشار وباء كورونا المستجد، في مجال التواصل والكتابة كرسائل البريد الإلكتروني والتوقيع الإلكتروني ، كحل أمثل للتوفيق بين ما يجب الالتزام به من اجراءات احترازية وسياسات التباعد الاجتماعي من ناحية أخري.

والان يثور التساؤل عن حجية التوقيع الإلكتروني ورسائل البريد الإلكتروني في النظام القانوني المصري ومدي قابليتها لتكوين دليل إثبات مقبول أمام المحاكم المصرية في ظل الاعتماد المتزايد علي هذه الوسائل،.

عالج المشرع المصري هذه المسألة بوضع قواعد قانون تنظيم التوقيع الإلكتروني وإنشاء هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات رقم 15 لسنة 2004 ,  ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات رقم 109 لسنة 2005.

حيث منح قانون التوقيع الإلكتروني رقم 15 لسنة 2004 في المادتين 14 و15 كلا من التوقيع الإلكتروني والمحررات الإلكترونية نفس ذات قوة الإثبات المقررة للكتابة التقليدية, ولكن بشرط استيفاء الشروط الفنية والتقنية المنصوص عليها في القانون واللائحة ، وذلك حتى تكون مؤهلة للتمتع بهذه الحجية القانونية.

ما هو التوقيع الإلكتروني المُؤهل!!؟

يجب أن يستوفي التوقيع الإلكتروني المُؤهل عدة شرائط وضوابط فنية وتقنية كي يتمتع بقوة الإثبات التي تجعله دليلًا مقبولًا أمام المحاكم المصرية، ويعتلي تلك الشروط والضوابط أن يستند هذا التوقيع الإلكتروني إلى شهادة تصديق أو فحص إلكتروني صادرة من إحدى جهات التصديق المعتمدة من هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، فلا يتمتع كل توقيع إلكتروني بقوة الإثبات أمام المحاكم، إنما الأمر مقصور علي التوقيع الإلكتروني مستوفي الشروط والمعروف بالتوقيع الإلكتروني المُؤهل أو المُعزز.

وكي يكون التوقيع الإلكتروني مؤهلًا أو المُعزز ، يجب أن يرتبط التوقيع الإلكتروني بشخص المُوَقِع (صاحب التوقيع) وحده وأن تتوافر لصاحب التوقيع الإلكتروني السيطرة الكاملة علي الوسيط الإلكتروني، وأيضاً يجب أن تتوافر إمكانية الكشف عن أي تعديل أو تبديل في بيانات التوقيع أو المحرر وذلك على التفصيل التالي:

  •  ارتباط التوقيع الإلكتروني بصاحب التوقيع وحده

  يتحقق ذلك متي استند هذا التوقيع على منظومة إنشاء توقيع إلكتروني مُؤمنة وأن يكون التوقيع مرتبط بشهادة تصديق أو فحص إلكتروني صادرة من جهة تصديق إلكتروني معتمدة من جانب هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات.

  •  سيطرة صاحب التوقيع وحده علي الوسيط الإلكتروني المستخدم 

 أما بالنسبة لسيطرة صاحب التوقيع وحده علي الوسيط الإلكتروني المستخدم في تثبيت التوقيع علي المستند يتحقق بحيازة صاحب التوقيع لأداة حفظ المفتاح الخاص، فضلاً عن حيازته للبطاقة الذكية ورقمها السري.

  •  كشف التعديل في بيانات المحرر الموقع إلكترونيًا

 يتم كشف أي تعديل في بيانات المحرر الموقع إلكترونيًا باستخدام تقنية شفرة المفتاحين العام والخاص، وبمضاهاة شهادة التصديق الإلكتروني ببيانات إنشاء هذا التوقيع.

لم ينص قانون التوقيع الإلكتروني المصري ، خلافاً للعديد من التشريعات في الدول الأخرى، على إمكانية اتفاق الأطراف في أي معاملة إلكترونية على وسائل أو شروط بديلة للتأكد من صحة التوقيع الإلكتروني أو منحه الحجية القانونية ،  كالاتفاق مثلا على استخدام خدمات توقيع إلكتروني من أو أجبني غير مُعتمد من هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات وإن كان موثوق فيه من جانب الأطراف، أو الاتفاق على إضفاء الحجية على المحررات والتوقيعات الإلكترونية حتى لو لم تكن مستوفية الشروط المنصوص عليها في القانون-، إذ تعتبر قواعد التوقيع الإلكتروني قواعد آمرة ملزمة للأطراف متي توجهوا للوسيلة الإلكترونية في إبرام المعاملات.

وقد أجاز القانون المصري استخدام التوقيع الإلكتروني في جميع المعاملات المدنية والتجارية والإدارية دون أن يستثني أي نوع من أنواع المعاملات كما فعلت بعض التشريعات في الدول الأخرى بأن استثنت على سبيل المثال تلك المحررات المتعلقة بالأحوال الشخصية ومسائل الأسرة وكذلك التصرفات العينية الواردة على عقار، وهو ما يثير التساؤل حول إمكانية اعتماد التوقيع الإلكتروني في مثل هذه المعاملات من الناحية العملية.

  • المحرر إلإكترونيً و التعامل مع الجهات الحكومية

الواقع العملي للتعامل مع الجهات الحكومية يظهر تضاربًا في السماح للمتعاملين باستعمال التوقيع الإلكتروني في المعاملات الإدارية وفقًا لنص القانون، فعلي الرغم من وجود جهات وهيئات حكومية تسمح للجمهور باستعمال توقيعاتهم الإلكترونية أمامها ومنها علي سبيل المثال الهيئة العامة للاستثمار التي تسمح للمتعاملين باستعمال التوقيع الإلكتروني في بعض طلبات الاعتماد والخدمات التي تقدم عبر شبكة الإنترنت، إلا أن معظم الجهات لا تسمح باستعمال التوقيع الإلكتروني في التعامل أمامها ومنها علي سبيل المثال الشهر العقاري والمحاكم.

مقدمو خدمات التصديق الإلكتروني في القاهرة

حاليًا تُرخص هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات لاثنين فقط من مقدمي خدمات التوقيع الإلكتروني؛ وهما شركة مصر للمقاصة والإيداع والقيد المركزي، وشركة تراست ايجيب لخدمات التوقيع الإلكتروني وحماية المعلومات. وبناء علي ذلك يتعين الاستعانة بخدمات هاتين الشركتين للحصول علي توقيع إلكتروني معزز و مؤهل يتمتع بذات قوة الإثبات الخاصة بالتوقيع التقليدي أمام المحاكم المصرية.

استحداث “الختم الإلكتروني” كوسيلة إلكترونية جديدة إلي جانب التوقيع الإلكتروني

لقد استحدثت التعديلات الأخيرة لللائحة التنفيذية لقانون التوقيع الإلكتروني وسيلة إلكترونية جديدة إلي جانب التوقيع الإلكتروني، وهي “الختم الإلكتروني”.

الختم الإلكتروني هو مجرد توقيع إلكتروني يسمح بتحديد الشخص الاعتباري مُنشِئ هذا الختم، ومن ثم يكون الفارق بين ” التوقيع الإلكتروني” و “الختم الإلكتروني”، أن الاولي تتعلق بالأشخاص الطبيعيين أما الثانية تتعلق بالأشخاص الاعتبارية.

ولحداثة هذا المصطلح وعدم دخوله حيذ التطبيق والتجربة الفعلية، فلا يتثني لنا حتى الآن معرفة ما اذا كانت جهات التصديق الإلكتروني المرخص لها بإصدار شهادات التوقيع الإلكتروني ستحتاج إلي ترخيص آخر لاصدار شهادات الختم الإلكتروني للأشخاص الاعتبارية أم سيشمل الترخيص الحالي ذلك.

رسائل البريد الإلكتروني

أن البريد الإلكتروني ولا شك يعتبر نوعًا من أنواع الكتابة والمحررات الإلكترونية مما يستوجب استيفاء هذه الرسائل للشروط المذكورة سلفًا لكي تتمتع بقوة الإثبات المقررة للرسائل الورقية المكتوبة.

لقد وضعت المادة 8 من اللائحة التنفيذية بعض الضوابط الفنية الإضافية في المحررات والكتابة الإلكترونية؛ أهمها أن يكون متاحًا فنيًا تحديد وقت وتاريخ إنشاء المحرر أو الكتابة عن طريق نظام حفظ غير خاضع لسيطرة المُنشِئ، وأن يكون متاحًا فنيًا تحديد مصدر إنشاء المحرر أو الكتابة ودرجة سيطرة المُنشِئ علي هذا المصدر وعلي الوسيط المستخدم في إنشائها.

تركً الأمر إلي التطبيقات القضائية لتحديد طبيعة المحررات الإلكترونية

سكت القانون المصري عن تحديد طبيعة هذة المحررات الإلكترونية ، وما إذا كانت مستخرجاتها تعتبر محررات عرفية في حد ذاتها أم صور من محررات عرفية، تاركًا الأمر إلي التطبيقات القضائية لحسم تلك المسألة، والفارق كبير بالطبع بين التصورين إذ أن المحررات العرفية فمتي ثبت نسبتها إلي صاحبها ، تصبح حجة عليه لا يمكنه الخلاص منها إلا بإثبات تزويرها.

أما صور المحررات العرفية فلا قيمة لها في الإثبات إلا بمقدار ما تهدي إلى الأصل إذا كان موجودًا فيرجع إليه، أما إذا كان غير موجود فلا سبيل للاحتجاج بالصورة إذ هل لا تحمل كتابة أو توقيع من صدرت عنه.

محكمة النقض المصرية و المحررات الإلكترونية

لقد أرست محكمة النقض المصرية مبدءاً هامًا جديدا بشأن إثبات صحة البريد الإلكتروني

مراسلات التي تتم بين أطرافها عن طريق البريد الإلكتروني لا يكون لها ثمة حجية عند جحدها أو انكاره

محكمة النقض المصرية  قضاؤها جاء مشتتًا في شأن إثبات حجية رسائل البريد الإلكتروني، حيث في البداية تبني قضاء محكمة النقض الاتجاه الذي يعتبر مستخرجات رسائل البريد الإلكتروني مجرد صور ضوئية ليس لها قيمة في الإثبات بمجرد جحدها وانكارها ممن تُنسب إليه.

وفي ذلك ذهبت محكمة النقض في حكم لها العام الماضي بجلسة 28 مارس 2019 إلى أن المراسلات التي تتم بين أطرافها عن طريق البريد الإلكتروني لا يكون لها ثمة حجية عند جحدها أو انكارها، إذ لا حجية لصور المحررات إلا بقدر مطابقتها للأصل، وأنه على من يتمسك بصحة المحرر الإلكتروني إثبات صحته ونسبته إلى صاحبه.

الرسائل المتبادلة بطريق البريد الإلكتروني تكتسب حجية في الإثبات تتساوى مع تلك المفرغة ورقيًا والمذيلة بتوقيع كتابي

 محكمة النقض المصرية سرعان ما تبنت اتجاهًا آخر و هو : يعتبر مستخرجات رسائل البريد الإلكتروني عصية علي مجرد الجحد والنكران ولا سبيل للطرف المنسوبة إليه سوى الطعن عليها بالتزوير لجحدها، إذ جاء في حكم محكمة النقض أن الرسائل المتبادلة بطريق البريد الإلكتروني تكتسب حجية في الإثبات تتساوى مع تلك المفرغة ورقيًا والمذيلة بتوقيع كتابي إذا ما توافرت الشروط والضوابط المنصوص عليها في القانون، وأنه لا يحول دون قبولها كدليل في الإثبات أنها جائت في شكل مستخرجات إلكترونية حيث لا يملك مُرسِل رسالة البريد الإلكتروني أن يقدم أصل المستند أو المحرر الإلكتروني، ذلك أن كل مستخرجات الأجهزة الإلكترونية، لا تعدو أن تكون نسخًا ورقية مطبوعة خالية من توقيع طرفيها.

تبنت بذلك محكمة النقض المصرية و أرست مبدءًا هامًا جديدًا أكدت فيه على أن رسائل البريد الإلكتروني عصية علي مجرد نكران وجحد الخصم لمستخرجاتها وتمسكه بتقديم أصلها، وهي بذلك قد افترضت صحة البريد الإلكتروني ونقلت عبء إثبات غير ذلك على من ينكر البريد الإلكتروني، ليس هذا فقط، بل أنها جعلت السبيل الوحيد لدحض حجية البريد الإلكتروني هو دعوى التزير تمهيدًا للاستعانة بالخبراء الفنيين في هذا الخصوص.