تنقضي الدعوى التأديبية بوفاة الموظف المحال

الطعن 15412 لسنة 55 ق جلسة 10 / 10 / 2015 إدارية عليا مكتب فني 61 ج 1 ق 5 ص 61

جلسة 10 من أكتوبر سنة 2015

الطعن رقم 15412 لسنة 55 القضائية (عليا)

(الدائرة الرابعة)

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ لبيب حليم لبيب نائب رئيس مجلس الدولة

وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أحمد إبراهيم زكي الدسوقي، وعبد الفتاح السيد الكاشف، وسعيد عبد الستار سليمان، ود. عبد الجيد مسعد عبد الجليل. نواب رئيس مجلس الدولة 

(أ‌) بنوك:

بنوك القطاع العام– طبيعة التنظيم القانوني لبنوك القطاع العام- انتهج المشرع في قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003 فلسفة اقتصادية جديدة تجاه بنوك القطاع العام، تقوم بحسب الأصل على المساواة بين جميع البنوك العاملة داخل مصر، بعد أن غاير من أسلوب إدارة تلك البنوك، وأخضعها لأحكامه، بتمكينها من اتباع وسائل التسيير الذاتي والإدارة الذاتية طبقا لأساليب وأدوات ومفاهيم القانون الخاص، لتساير الأوضاع الاقتصادية الجديدة- احتفظ المشرع بوصف “القطاع العام” لتلك البنوك، حيث لم يمس الطبيعة العامة لأموال تلك البنوك- غاير المشرع في تشكيل مجالس إدارة بنوك القطاع العام وجمعياتها العمومية عما قرره بالنسبة للبنوك الخاصة الأخرى، كما أجاز للقطاع الخاص أن يمتلك أسهما من رءوس أموال بنوك القطاع العام، ورتب على ذلك سريان أحكام القانون المنظم لشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية
المحدودة، كما نص المشرع على الفائض الذي يئول إلى الخزانة العامة من ميزانية تلك البنوك. 
استبعاد إخضاع بنوك القطاع العام لأحكام القوانين واللوائح المعمول بها في شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام قصد به القوانين التي يقتصر تطبيقها على شركات القطاع العام أو شركات قطاع الأعمال وحدها، فلا يمتد الاستبعاد إلى غيرها من القوانين التي لا يقتصر مجال نفاذها على الشركات المذكورة فقط، بل يمتد إليها وإلى غيرها من الجهات الأخرى، وهي القوانين التي تتعلق بحماية المال العام، وغير ذلك من الأمور الأخرى التي تخاطب الجميع، تستوي في ذلك شركات القطاع العام وشركات قطاع الأعمال وغيرها من الأشخاص الطبيعية والاعتبارية، فهذه القوانين مازالت قائمة، ولها نطاق إعمال، ويستمر تطبيقها على تلك البنوك والعاملين بها، وتلتزم بنوك القطاع العام عند وضع لوائحها (على وفق ما ورد في أحكام قانون العمل) بعدم مخالفة أحكام القوانين الخاصة المتعلقة بحماية المال العام والولايات القضائية، والتي تعد نصوصها آمرة- ترتيبا على ذلك: لا يجوز للوائح تلك البنوك أن تتضمن ما يخالف أحكام تلك القوانين؛ لأنه لا يجوز تعديل نص قانوني أو استبعاد تطبيق أحكامه بلائحة، وهي أداة أدنى، بل يتم ذلك بالأداة نفسها، أي بقانون ينص صراحة أو ضمنا على تعديل أو إلغاء النص السابق عليه أو استبعاد تطبيقه، ومن ثم يستمر نفاذ تلك القوانين الخاصة على بنوك القطاع العام، مثل قانون تنظيم النيابة الإدارية، وقانون هيئة الرقابة الإدارية، وقانون الجهاز المركزي للمحاسبات، وقانون مجلس الدولة؛ باعتبار أن هذه القوانين جميعها قوانين ذات طبيعة خاصة، تتناول ضمن أغراضها تنظيم حماية المال العام وغير ذلك من الأمور التي تحفظ أمن المجتمع وسلامته وحماية بنيانه الاقتصادي والاجتماعي، ويمتد تطبيقها إلى الجميع.
– المادة الثانية من القانون رقم 88 لسنة 2003 بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد، والمواد أرقام (89) و(91) و(94) و(95) من هذا القانون، معدلا بموجب القانون رقم 93 لسنة 2005. 

(ب‌) بنوك:

بنوك القطاع العام- عاملون بها- تأديبهم- تختص المحاكم التأديبية بمجلس الدولة بنظر الدعاوى والطعون التأديبية الخاصة بالعاملين الذين تطبق عليهم أحكام قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد- القول بأن النص على عدم خضوع العاملين بالبنوك المذكورة لأحكام القوانين واللوائح المعمول بها في شركات القطاع العام يشمل جميع القوانين، ومن بينها القوانين المتعلقة بالمخالفات الإدارية والجزاءات التأديبية التي توقع بشأنها، وكذلك المتعلقة بالاختصاص بنظر الطعون على هذه الجزاءات، وأن قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 هو الواجب الإعمال على جميع العاملين بالبنوك في كل نظم ولوائح العاملين بها، ومن بينها الجزاءات والاختصاص بنظر الدعاوى التأديبية والطعون التى توجه إليها، هو قول فاقد لأساسه؛ لعدم وجود سند تشريعي له، حيث خلت نصوص قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد من نص يقرر إخراج المنازعات التأديبية الخاصة بالعاملين ببنوك القطاع العام من الاختصاص الولائي للمحاكم التأديبية، وإسناد الاختصاص بنظرها للقضاء العادي- لا أساس للقول بانحسار ولاية المحاكم التأديبية عن نظر الدعاوى التأديبية والطعون التأديبية الخاصة بالعاملين الذين تطبق عليهم أحكام ذلك القانون بدعوى أن لوائح العمل المنصوص عليها بالمادة (91) منه ملتزمة بأحكام قانون العمل؛ فهذا القول يعد تعديلا لنصوص قانونية بأداة تشريعية أدنى، وهو ما لا يجوز قانونا؛ لأن الاختصاص القضائي لا يجوز دستوريا أن يترك توزيعه لأداة أدنى من القانون- تطبيق: بنك القاهرة.

– المادة (190) من دستور 2014.

– المواد أرقام (10) و(15) و(19) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972.
– أحكام المحكمة الدستورية العليا في القضايا أرقام 19 لسنة 27 و20 لسنة 27 و21 لسنة 27 القضائية (تنازع) الصادرة بجلسة 7/5/2006. 

(ج‌) دعوى:

الطعن في الأحكام- أثر إلغاء الحكم المطعون فيه لمخالفته قواعد الاختصاص- يتعين إعادة الدعوى إلى المحكمة التي أصدرته للفصل فيها بهيئة مغايرة؛ حتى لا تفوت على ذوي الشأن إحدى درجات التقاضي. 

(د‌) موظف:

تأديب- انقضاء الدعوى التأديبية- تنقضي الدعوى التأديبية بوفاة الموظف المحال، سواء أكان ذلك أمام المحكمة التأديبية أم أمام المحكمة الإدارية العليا- أساس ذلك أن حكم المادة (14) من قانون الإجراءات الجنائية يمثل أحد المبادئ الأساسية للنظام العقابي، سواء في المجال التأديبي أو الجنائي- هذا الأصل هو تطبيق لقاعدة عامة مقتضاها شخصية العقوبة، فلا تجوز المساءلة في المجال العقابي، إلا في مواجهة شخص المتهم الذي تطالب جهة الإدارة بإنزال العقاب عليه، وهو ما يفترض بالضرورة حياة هذا الشخص حتى يسند إليه الاتهام، وتستقر مسئوليته بحكم بات في مواجهته، فإذا ما توفي المتهم قبل أن تصل المنازعة إلى غايتها النهائية، فإنه يتعين عدم الاستمرار في إجراءات المساءلة، أيا كانت مرحلة التقاضي التي وصلت إليها، وذلك من خلال الحكم بانقضاء المسئولية التأديبية قبله، مع ما يترتب على ذلك من آثار بالنسبة لما سبق اتخاذه من إجراءات بعد رفع الدعوى التأديبية والحكم فيها, أو بعد صدور الحكم التأديبي وأثناء نظر الطعن فيه، وبصرف النظر عما إذا كان الطعن مقاما من النيابة الإدارية أو من الطاعن الذي توفي أثناء نظر الطعن، بحيث يتعين في جميع الأحوال الحكم بانقضاء الدعوى التأديبية، وليس بانقطاع سير الخصومة.
 المادة (14) من قانون الإجراءات الجنائية، الصادر بالقانون رقم (150) لسنة 1950. 

الوقائع

في يوم الأربعاء الموافق 15/4/2009 أودع الأستاذ/… الوكيل العام بهيئة النيابة الإدارية، بصفته نائبا عن الطاعن (بصفته) قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن، قيد بجدولها برقم 15412 لسنة 55ق.عليا، طعنا على حكم المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا الصادر في الدعوى التأديبية رقم 92 لسنة 46ق بجلسة 18/2/2009, القاضي بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى.
وطلب الطاعن بصفته -للأسباب الواردة بتقرير طعنه- الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بمعاقبة المطعون ضدهم بالعقوبات المناسبة.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعن، ارتأت فيه -للأسباب الواردة به- الحكم بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم الصادر في الدعوى التأديبية رقم 92 لسنة 46ق, والقضاء مجددا بإعادتها إلى المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا للفصل في موضوعها من هيئة أخرى.
ونظر الطعن أمام الدائرة السابعة (فحص الطعون) على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 26/10/2014 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة الرابعة (فحص) للاختصاص، فنظرته بدورها، ثم أحالته إلى دائرة الموضوع، حيث نظرته بجلسة اليوم، وفيها قررت إصدار الحكم فيه آخر الجلسة، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به. 

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة قانونا.
وحيث إن الطعن الماثل قد استوفى جميع أوضاعه الشكلية المقررة، فمن ثم يكون مقبولا شكلا.
وحيث إن عناصر الطعن تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أنه بتاريخ 26/3/2004 أقامت النيابة الإدارية الدعوى رقم 92 لسنة 46ق، بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا، متضمنة ملف قضيتها رقم 351 لسنة 2002، وتقرير اتهام ضد:
1- … – مدير إدارة مساعد بقسم المراجعة ببنك القاهرة فرع شبرا- الدرجة الأولى.
2- … – مدير إدارة الاستثمار ببنك القاهرة فرع شبرا- الدرجة الأولى.
3- … – مدير عام بنك القاهرة فرع شبرا، وحاليا مدير الإدارة العامة للتسويق المصرفي ببنك القاهرة- درجة مدير عام .
4- … – مدير عام بنك القاهرة فرع شبرا، وحاليا على المعاش- درجة مدير عام.
5- … – مدير عام بنك القاهرة فرع شبرا، وحاليا على المعاش- درجة مدير عام.
لأنهم خلال المدة من 8/3/1998 حتى أكتوبر 1999 بدائرة عملهم، وبوصفهم السابق، لم يؤدوا العمل المنوط بهم بدقة وأمانة، ولم يحافظوا على أموال البنك الذى يعملون به، وخالفوا القواعد المالية المنصوص عليها في القوانين واللوائح المعمول بها ببنك القاهرة، بأن:
الأولى بمفردها: تجاهلت التدرج في منح التسهيل للعميل (المجموعة العربية…) في ضوء حداثة تعامله مع فرع البنك، وذلك بصفتها عضوا بلجنة تسهيلات الفرع .
الأولى والثاني مجتمعين: وافقا على زيادة تسهيلات العميل المذكور بمبلغ 2 مليون جنيه، رغم مراجعة الإدارة العامة للائتمان بالبنك للفرع، وذلك بصفة كل منهما عضوا بلجنة تسهيلات الفرع.
الثالث والرابع مجتمعين:
1- سمحا بفتح اعتمادات نقدية للعميل (مؤسسة… و… معا) بالتجاوز عن الحد المسموح به بمبلغ ستة عشر مليونا وثلاث مئة وواحد وتسعين ألفا ومئة وأربعة وثمانين جنيها.
2- سمحا بالخصم على حساب جار مدين والخاص بالعميل المذكور بالتجاوز عن الحد.
3- وافقا على زيادة تسهيلات العميل رغم مراجعة الإدارة العامة للائتمان بالبنك للفرع.
الخامس والسادس مجتمعين: سمحا للعميل المذكور بالتجاوز عن تسهيل البضائع وسحب مبالغ بالزيادة على الحد المقرر.
وارتأت النيابة الإدارية أن المحالين المذكورين قد ارتكبوا المخالفات المالية المنصوص عليها بالمواد الواردة تفصيلا بتقرير الاتهام، وطلبت محاكمتهم تأديبيا.
ونظرت المحكمة التأديبية الدعوى على النحو الثابت بالمحاضر، وبجلسة 18/2/2009 أصدرت حكمها القاضي بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى، وشيدت قضاءها على أن المشرع بمقتضى أحكام قانون البنك المركزى والجهاز المصرفي والنقد، الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003، والمعدل بالقانون رقم 93 لسنة ‌ 2005 قد أخضع جميع البنوك العاملة في مصر (ومنها بنك القاهرة) لأحكامه، على أن تتخذ تلك البنوك شكل شركة مساهمة مصرية، وأناط بمجالس إدارات تلك البنوك اعتماد لوائح العمل الداخلية دون التقيد بأحكام القوانين واللوائح المعمول بها في شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام، ونفاذا لذلك صدرت عن بنك القاهرة لائحة بنظام إجراءات التحقيق وقواعد التأديب وإجراءاته للعاملين بالبنك، وبذلك فقد انحسرت عن العاملين بالبنك صفة العاملين بالقطاع العام، وتغدو المحكمة غير مختصة ولائيا بنظر الدعوى.
وإذ لم يلق الحكم الطعين قبولا لدى النيابة الإدارية فقد أقامت طعنها الماثل على سند من أسباب حاصلها مخالفته للقانون، والخطأ في تطبيقه وتأويله، والفساد في الاستدلال، حيث إن محاكم مجلس الدولة هي صاحبة الولاية في مسائل تأديب العاملين بالقطاع العام، ومخالفة ذلك يعد تعديلا لاختصاص المجلس، وهذا لا يكون إلا بقانون، وقد خلت نصوص قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد، الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003، والمعدل بالقانون رقم 93 لسنة 2005 من نص صريح بتعديل ذلك الاختصاص.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الدعوى التأديبية تنقضي بوفاة العامل أثناء نظر الطعن في الحكم التأديبي أمام المحكمة الإدارية العليا؛ استنادا إلى الأصل العام الوارد في المادة (14) من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص علي أن: “تنقضي الدعوى الجنائية بوفاة المتهم”، وهذا الأصل هو الواجب الاتباع عند وفاة المحال أثناء المحاكمة التأديبية، سواء أكان ذلك أمام المحكمة التأديبية أم أمام المحكمة الإدارية العليا، وأساس ذلك أن حكم المادة (14) من قانون الإجراءات الجنائية يمثل أحد المبادئ الأساسية للنظام العقابي، سواء في المجال التأديبي أو الجنائي، أي إن هذا الأصل هو في ذاته تطبيق لقاعدة عامة مقتضاها شخصية العقوبة، ومن ثم لا تجوز المساءلة في المجال العقابي، إلا في مواجهة شخص المتهم الذي تطالب جهة الإدارة بإنزال العقاب عليه، وهو ما يفترض بالضرورة حياة هذا الشخص حتى يسند إليه الاتهام، وتستقر مسئوليته بحكم بات في مواجهته، فإذا ما توفي المتهم قبل أن تصل المنازعة إلى غايتها النهائية، فإنه يتعين عدم الاستمرار في إجراءات المساءلة، أيا كانت مرحلة التقاضي التي وصلت إليها، وذلك من خلال الحكم بانقضاء المسئولية التأديبية قبله، مع ما يترتب على ذلك من آثار بالنسبة لما سبق اتخاذه بعد رفع الدعوى التأديبية والحكم فيها, أو بعد صدور الحكم التأديبي وأثناء نظر الطعن فيه، وبصرف النظر عما إذا كان الطعن مقاما من النيابة الإدارية أو من الطاعن الذي توفي أثناء نظر الطعن، بحيث يتعين في جميع الأحوال الحكم بانقضاء الدعوى التأديبية، وليس بانقطاع سير الخصومة (حكم دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 4199 لسنة 37ق بجلسة 29/4/1997 ).
وحيث إن الثابت من الأوراق أن المطعون ضده الخامس توفي إلى رحمة مولاه بتاريخ 18/6/2010 ‌ أثناء نظر الطعن الماثل، فمن ثم تقضي المحكمة بانقضاء الدعوى التأديبية بالنسبة له؛ لوفاته.
وحيث إن المادة الثانية من مواد القانون رقم 88 لسنة 2003 بإصدار قانون البنك المركزى والجهاز المصرفي والنقد تنص على أن: “تسري على البنوك الخاضعة لأحكام القانون المرافق -فيما لم يرد بشأنه نص فيه- أحكام قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981…”.
وتنص المادة رقم (89) من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد المشار إليه، معدلا بموجب القانون رقم 93 لسنة 2005 على أنه: “مع عدم الإخلال بأحكام المادة (43) من هذا القانون، تخضع بنوك القطاع العام لذات الأحكام التى تخضع لها البنوك الأخرى، فيما عدا ما يرد به نص خاص في هذا الباب، وفي جميع الأحوال لا تخضع تلك البنوك والعاملون فيها لأحكام القوانين واللوائح المعمول بها في شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام”.
وتنص المادة (91) منه على أن: “يعتمد مجلس إدارة البنك جميع لوائح العمل الداخلية، ويقر جدول الأجور والحوافز والبدلات، وفقا لما ورد في قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 في هذا الشأن، ولمجلس إدارة البنك وضع نظام أو أكثر لإثابة العاملين به في ضوء معدلات أدائهم وحجم ومستوى إنجازهم في العمل، وذلك دون التقيد بأحكام القوانين واللوائح المعمول بها في شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام”.
وتنص المادة (94) منه على أنه: “يجوز للقطاع الخاص أن يمتلك أسهما في رءوس أموال البنوك المملوكة بالكامل للدولة، وفي هذه الحالة تسري على البنك أحكام قانون الشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة الصادر بالقانون رقم 159 لسنة 1981…”.
وتنص المادة (95) من القانون المذكورعلى أنه: “لا تشمل الموازنة العامة للدولة الموارد والاستخدامات الجارية والرأسمالية لبنوك القطاع العام، ويئول صافي أرباح هذه البنوك للخزانة العامة للدولة بنسبة حصتها، وذلك بعد اقتطاع ما يتقرر تكوينه من احتياطيات، أو احتجازه من أرباح”.
وحيث إنه -على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة- فإن المشرع في قانون البنك المركزى والجهاز المصرفي والنقد المشار إليه قد انتهج فلسفة اقتصادية جديدة تجاه بنوك القطاع العام، تقوم بحسب الأصل على المساواة بين جميع البنوك العاملة داخل مصر، بعد أن غاير من أسلوب إدارة تلك البنوك، وأخضعها لأحكامه بتمكينها من اتباع وسائل التسيير الذاتي والإدارة الذاتية طبقا لأساليب وأدوات ومفاهيم القانون الخاص، لتساير الأوضاع الاقتصادية الجديدة، لذا أفرد الباب الثالث من قانون البنك المركزى والجهاز المصرفي والنقد، الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003، المعدل بالقانون رقم 93 لسنة 2005، لبيان الأحكام المتعلقة بإدارة بنوك القطاع العام في المواد من (89) حتى (96) منه، واحتفظ بوصف “القطاع العام” لتلك البنوك، التي أعاد تنظيمها بإخضاعها للأحكام نفسها التي تخضع لها البنوك الخاصة العاملة في مصر، باعتبارها من أشخاص القانون الخاص، وذلك أنه لم يمس الطبيعة العامة لأموال تلك البنوك، بأن نص على اعتبار أموالها أموالا مملوكة للدولة ملكية خاصة نزولا على مقتضى حكم الدستور الذي أسبغ صفة الملكية العامة على تلك الأموال، وذلك فيما عدا ما ورد به نص خاص في الباب الثالث من القانون المذكور سالفا، حيث غاير المشرع في تشكيل مجالس إدارة بنوك القطاع العام وجمعياتها العمومية عما قرره بالنسبة للبنوك الخاصة الأخرى طبقا لما نصت عليه المادتان (90) و(93)، كما أجاز المشرع للقطاع الخاص أن يمتلك أسهما من رءوس أموال بنوك القطاع العام، ورتب على ذلك سريان أحكام القانون رقم 159 لسنة 1981 المشار إليه، وذلك على نحو ما نصت عليه المادة (94) المذكورة سلفا، كما نص المشرع على الفائض الذى يئول إلى الخزانة العامة من ميزانية تلك البنوك طبقا لأحكام القانون رقم 53 لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة للدولة طبقا لحكم المادة (95).
وحيث إنه ولئن كان المشرع بإصداره قانون البنك المركزى والجهاز المصرفي والنقد، الصادر بالقانون رقم 88 لسنة 2003، المعدل بالقانون رقم 93 لسنة ‌ 2005، قد استبدل تنظيم بنوك القطاع العام بتنظيم آخر، إلا أن تلك البنوك ظلت محتفظة بالطبيعة القانونية لشركات القطاع العام، ولم تفقد هذا الوصف، مادام أن الملكية العامة لأموالها بقيت قائمة، لم يمسها أسلوب الإدارة الجديد، كما أن استبعاد إخضاعها لأحكام القوانين واللوائح المعمول بها في شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام إنما قصد به القوانين التى يقتصر تطبيقها على شركات القطاع العام أو شركات قطاع الأعمال وحدها، ولا تمتد إلى سواها، بما يفيد أن نطاق هذا الاستثناء يقف عند حد القوانين المطبقة على شركات القطاع العام أو قطاع الأعمال العام وحدها، ولا يمتد إلى غيرها من القوانين التي لا يقتصر مجال سريانها على الشركات المذكورة فقط، بل يمتد سريانها عليها وعلى غيرها من الجهات الأخرى، وهي القوانين التي تتعلق بحماية المال العام، وغير ذلك من الأمور الأخرى التي تخاطب الجميع، تستوي في ذلك شركات القطاع العام وشركات قطاع الأعمال وغيرها من الأشخاص الطبيعية والاعتبارية، فهذه القوانين مازالت قائمة، ولها نطاق إعمال، ويستمر تطبيقها على تلك البنوك والعاملين بها، على أن تلتزم بنوك القطاع العام عند وضع لوائحها على وفق ما ورد في أحكام قانون العمل بعدم مخالفة أحكام القوانين الخاصة المتعلقة بحماية المال العام والولايات القضائية، والتي تعد نصوصها آمرة، ومن ثم فإنه لا يجوز للوائح تلك البنوك أن تتضمن ما يخالف أحكام تلك القوانين؛ لأنه لا يجوز تعديل نص قانوني أو استبعاد تطبيق أحكامه بلائحة، وهي أداة أدنى، بل يتم ذلك بالأداة نفسها، أي بقانون ينص صراحة أو ضمنا على تعديل أو إلغاء النص السابق عليه أو استبعاد تطبيقه، ومن ثم يستمر سريان تلك القوانين الخاصة على بنوك القطاع العام، مثل القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية، والقانون رقم 54 لسنة 1964 بشأن هيئة الرقابة الإدارية، والقانون رقم 144 لسنة 1988 بإصدار قانون الجهاز المركزي للمحاسبات، وقانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972؛ باعتبار هذه القوانين جميعها قوانين ذات طبيعة خاصة، تتناول ضمن أغراضها تنظيم حماية المال العام وغير ذلك من الأمور التي تحفظ أمن المجتمع وسلامته وحماية بنيانه الاقتصادي والاجتماعي، ويمتد تطبيقها إلى الجميع، وليس قصرا على شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام.
(حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعنين رقمي 8586 و10476 لسنة 55ق عليا بجلسة 20/4/2014 ).
وحيث إنه سبق أن انتهت دائرة توحيد المبادئ في ضوء المواد (13 و14 و86 و108 و144 و172) من دستور 1971، والمادة (190) من الدستور الحالي، والمادة (19) من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972، والمواد (82 و83 و84 و85) من قانون نظام العاملين بالقطاع العام، الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1978، إلى أن توقيع جزاءي الإحالة إلى المعاش والفصل من الخدمة للعاملين بالقطاع العام يخرج عن اختصاص مجلس إدارة الشركة، ومنوط بالمحكمة التأديبية دون سواها، وأنه لا يجوز تضمين لوائح العاملين بشركات القطاع العام نصا يحدد اختصاص رئيس الجمعية العامة للشركة بتوقيع جزاء الفصل من الخدمة؛ لأن ما يضعه القانون من تنظيم لحقوق العامل وضماناته، ومنها عدم جواز إحالته على المعاش أو فصله من العمل إلا بحكم تأديبي، لا يجوز تعديله إلا بقانون، وليس بأداة أدنى، كما لا يجوز للوائح التنفيذية التي تصدرها السلطة التنفيذية أن تعطل أحكام القانون أو تتناولها بالتعديل أو بالاستثناء، وينبغي على الجهة التي تصدر اللوائح التنفيذية أن تتقيد بالمبادئ والأسس والضمانات، سواء ما ورد منها في الدستور أو في القانون، وأن الجزاء المقرر على التغول على اختصاص المحكمة التأديبية في هذا الشأن هو البطلان الذي ينحدر إلى حد الانعدام؛ لصدور القرار عن سلطة غير ذات اختصاص (حكم دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا في الطعنين رقمي 1368 و1430 لسنة 43ق عليا بجلسة 18/1/2001).
وحيث إنه قد تواتر قضاء المحكمة الدستورية العليا في دعاوى تنازع الأحكام على أن الدستور إذ عهد إلى مجلس الدولة كهيئة قضائية مستقلة بالفصل في المنازعات الإدارية، والدعاوى التأديبية، فقد دل على أن ولايته في شأنها ولاية عامة، وأن المحاكم التأديبية أصبحت صاحبة الولاية العامة بالفصل في مسائل تأديب العاملين بالقطاع العام، ويشمل ذلك الدعوى المبتدأة التي تختص فيها المحكمة بتوقيع الجزاء التأديبي, كما تشمل الطعن في أي جزاء تأديبي، وانتهت إلى الاعتداد بالأحكام الصادرة عن المحكمة التأديبية؛ لصدورها على وفق اختصاص المحاكم التأديبية المحدد بموجب القواعد القانونية المعمول بها وقت صدوره، وأن الحكم الصادر من جهة القضاء العادي برفض عودة المدعى عليه المذكور للعمل في البنك، يكون قد سلب اختصاصا محجوزا للمحاكم التأديبية، ومن ثم لا يعتد به ويعتد بالحكم الصادر عن المحكمة التأديبية لوزارة المالية (أحكام المحكمة الدستورية العليا في القضايا أرقام 19 لسنة 27 و20 لسنة 27 و21 لسنة 27 القضائية- تنازع، الصادرة بجلسة 7/5/2006).
وحيث إنه باستقراء النصوص الحاكمة لاختصاص مجلس الدولة، ابتداء بدستور 1971 ثم الإعلانات الدستورية التي صدرت بعد ثورة 25 يناير، وصولا إلى نص المادة (190) من الدستور الحالي بأن: “مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية، ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه، كما يختص بالفصل في الدعاوى والطعون التأديبية،… ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى”، ومرورا بقانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 الذي نصت المادة (10) منه على أن: “تختص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في المسائل الآتية: أولا:… ثالث عشر: الطعون في الجزاءات الموقعة علي العاملين بالقطاع العام في الحدود المقررة قانونا”.
ونصت المادة (15) منه على أن: “تختص المحاكم التأديبية بنظر الدعاوى التأديبية عن المخالفات المالية والإدارية التي تقع من: أولا: العاملين المدنيين بالجهاز الإدارى للدولة… والمؤسسات العامة وما يتبعها من وحدات، وبالشركات التى تضمن لها الحكومة حدا أدنى من الأرباح…”.
ونصت المادة (19) منه على أن: “توقع المحاكم التأديبية الجزاءات المنصوص عليها في القوانين المنظمة لشئون من تجرى محاكمتهم…”.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا والمحكمة الإدارية العليا قد تواتر على أن دستور 1971 والإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011 ودستور 2013 ودستور 2014 الحالي، إذ عهدت إلى مجلس الدولة كهيئة قضائية مستقلة بالفصل في المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية، فقد دلت على أن ولايته في شأنها هي ولاية عامة، وأصبحت المحاكم التأديبية صاحبة الولاية العامة بالفصل في مسائل تأديب العاملين بالقطاع العام، بما يشمل الدعوى المبتدأة التى تختص فيها المحكمة بتوقيع الجزاء التأديبي، وكذلك الطعن في أي جزاء تأديبي.
ومن ثم فإن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن عبارة “عدم خضوع العاملين بالبنوك المذكورة لأحكام القوانين واللوائح المعمول بها في شركات القطاع العام” هي عبارة شاملة لجميع القوانين، ومن بينها القوانين المتعلقة بالمخالفات الإدارية والجزاءات التأديبية التي توقع بشأنها، وكذلك المتعلقة بالاختصاص بنظر الطعون على هذه الجزاءات، وأن قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 هو الواجب الإعمال على جميع العاملين بالبنوك في كل نظم ولوائح العاملين بها، ومن بينها الجزاءات والاختصاص بنظر الدعاوى التأديبية والطعون التى توجه إليها –هذا الذي ذهب إليه الحكم- فاقد لأساسه؛ لعدم وجود سند تشريعي يساند هذا الادعاء؛ لأن نصوص قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد، الصادر بالقانون 88 لسنة 2003، معدلا بالقانون 93 لسنة 2005، قد خلت من نص يقرر إخراج المنازعات التأديبية الخاصة بالعاملين ببنوك القطاع العام عن الاختصاص الولائي للمحاكم التأديبية وإسناد الاختصاص بنظرها إلى القضاء العادي، ومن ثم فلا أساس للقول بانحسار ولاية المحاكم التأديبية عن نظر الدعاوى التأديبية والطعون التأديبية الخاصة بالعاملين الذين تطبق عليهم أحكام القانون رقم 93 لسنة ‌ 2005 بدعوى أن لوائح العمل المنصوص عليها بالمادة (91) من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد ملتزمة بأحكام قانون العمل، وإلا كان ذلك تعديلا لنصوص قانونية بأداة تشريعية أدنى، وهو ما لا يجوز قانونا؛ لأن الاختصاص القضائي لا يجوز دستوريا أن يترك توزيعه لأداة أدنى من القانون؛ لأن القانون فقط هو الذي يملك إنشاء جهات قضائية، كما يملك توزيع الاختصاصات القضائية فيما بينها كأصل دستوري مقرر بمقتضى نصوص دستور 1971 والإعلان الدستوري في 30 مارس 2011 ودستور 2013 ودستور 2014 (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعنين رقمي 8586 و10476 لسنة 55ق عليا بجلسة 20/4/2014).
ومن ثم يكون ما انتهى إليه الحكم الطعين من عدم اختصاص المحكمة التأديبية ولائيا بنظر الدعوى التأديبية المقامة ضد العاملين في بنك القاهرة في غير محله, ومخالفا لصحيح حكم القانون، مما يستوجب الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه، وباختصاص المحكمة التأديبية بنظر الطعن التأديبي رقم 92 لسنة 46ق.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أنه إذا انتهت المحكمة الإدارية العليا إلى إلغاء الحكم المطعون فيه لمخالفة قواعد الاختصاص، فإنه يتعين إعادة الدعوى إلى المحكمة التى أصدرته للفصل في موضوعها؛ حتى لا تفوت على ذوي الشأن إحدى درجات التقاضي.
(حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 3803 لسنة 35ق.ع بجلسة 27/6/1993)، فمن ثم يتعين القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإعادة الدعوى التأديبية رقم 92 لسنة 46ق إلى المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا للفصل فيها من هيئة أخرى.

الحكم

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:
(أولا) بانقضاء الدعوى التأديبية بالنسبة للمطعون ضده الخامس؛ لوفاته.
(ثانيا) بقبول الطعن شكلا، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وإعادة الدعوى التأديبية رقم 92 لسنة 46ق إلى المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا للفصل فيها من هيئة أخرى.

أمين السر                      رئيس المحكمة