صدور حكمين متناقضين في مسألة واحده اثره استرداد محكمة الموضوع ولايتها

في التقرير التالي تلقي “الناس و القانون” الضوء علي أفضل أحكام محكمة النقض الطعن رقم ١٩١٥ لسنة ٧٣ قضائية حيث تعرضت لإشكالية صدور حكمين متناقضين في مسألة واحده – اثره استرداد محكمة الموضوع ولايتها  ، اذ القاعدة المقرر – في قضاء محكمة النقض – أنه إذا فات هذا الغرض الأصلى ( حماية النظام القضائي ومنع تضارب الأحكام ) ذلك بأن صدر حكمان متناقضان في نزاع بذاته وبين الخصوم أنفسهم وإزاء خلو التشريع والعرف من حكم منظم لتلك الحالة فإنه إعمالاً للفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون المدنى تعين اللجوء لمبادئ الشريعة الإسلامية ومؤداها أنه إذا سقط الأصل يصار إلى البدل ، ولا حجية مع تناقض فإذا تناقض متساويان تساقطا وتماحيا ووجب الرجوع للأصل باسترداد محكمة الموضوع لسلطتها في الفصل في النزاع على هدى من الأدلة المطروحة تحقيقاً للعدالة دون تقيد بأى من هذين الحكمين ، وعلى ذلك فلا وجه للرأى الذى يعتد بالحكم الأسبق بمقولة إنه الأولى لأنه لم يخالف غيره ولا للحكم اللاحق لتضمنه نزول المحكوم له عن حقه في السابق بل الأولى اطراحهما والعودة للأصل بأن يتحرى القاضى وجه الحق في الدعوى على ضوء الأدلة المطروحة، بقلم “أشرف فؤاد” المحامي بالنقض.

صدور حكمين متناقضين في موضوع مسألة واحده اثره استرداد محكمة الموضوع ولايتها

محكمة النقض المصرية

الطعن رقم ١٩١٥ لسنة ٧٣ قضائية

الدوائر التجارية

جلسة ٢٠١٦/٠٣/٠٩

العنوان 

حكم ” حجية الأحكام : أحكام ليس لها حجية : صدور حكمين متعارضين ” . قوة الأمر المقضي ” أثر اكتساب قوة الأمر المقضي ” . محكمة الموضوع ” سلطة محكمة الموضوع في فهم الواقع و تقدير الأدلة في الدعوى ” .
الموجز : صدور حكمين متناقضين في نزاع بذاته وبين الخصوم أنفسهم . أثره . تساقطهما وتماحيهما . مؤدى ذلك . وجوب الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية . مؤداه . استرداد محكمة الموضوع سلطتها في الفصل في النزاع وفق الأدلة المطروحة دون التقيد بأيهما . علة ذلك . م ١ / ٢ مدنى.

القاعدة 

المقرر – في قضاء محكمة النقض – أنه إذا فات هذا الغرض الأصلى ( حماية النظام القضائي ومنع تضارب الأحكام ) ذلك بأن صدر حكمان متناقضان في نزاع بذاته وبين الخصوم أنفسهم وإزاء خلو التشريع والعرف من حكم منظم لتلك الحالة فإنه إعمالاً للفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون المدنى تعين اللجوء لمبادئ الشريعة الإسلامية ومؤداها أنه إذا سقط الأصل يصار إلى البدل ، ولا حجية مع تناقض فإذا تناقض متساويان تساقطا وتماحيا ووجب الرجوع للأصل باسترداد محكمة الموضوع لسلطتها في الفصل في النزاع على هدى من الأدلة المطروحة تحقيقاً للعدالة دون تقيد بأى من هذين الحكمين ، وعلى ذلك فلا وجه للرأى الذى يعتد بالحكم الأسبق بمقولة إنه الأولى لأنه لم يخالف غيره ولا للحكم اللاحق لتضمنه نزول المحكوم له عن حقه في السابق بل الأولى اطراحهما والعودة للأصل بأن يتحرى القاضى وجه الحق في الدعوى على ضوء الأدلة المطروحة.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقريــر الـذى تـلاه السيد القاضى الــمــقـــرر / ربيع محمد عمر والمرافعة وبعد المداولة .
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية .

الوقائع

وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المطعون ضدهما أقاما على الطاعنة الدعوى رقم ١٤٣٨ لسنة ١٩٩٧ أمام محكمة بندر الـزقـازيـق الجـزئـية بـطـلـب الـحـكـم بفـسخ عـقـد الإيجـار الـمؤرخ ١٠ / ٤ / ١٩٦٠ والـتـسليم ، وقـالا بـياناً لذلك إنه بموجب هذا العقد استأجرت الطاعنة من مورثهما الأرض الفضاء المبينة بالصحيفة ، وإذ أنذراها بإنهاء العقد بالإنذار المؤرخ ٣١ / ٨ / ١٩٩٧ فقد أقاما الدعـوى.
قضت المحكمة الجزئية بعدم اختصاصها نوعياً بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة الزقازيق الابتدائية ، حيث قيدت برقم ٣٨ لسنة ١٩٩٩ مدنى كلى الزقازيق ، وبتاريخ ٢٧ / ٥ / ١٩٩٩ حكمت برفضها ، استأنف المطعون ضدهما هذا الحكم بالاستئناف رقم ١٦٤٥ لسنة ٤٢ ق المنصورة – مأمورية الزقازيق – ، ندبت المحكمة خبيراً وبعد أن أودع تقريره قضت بتاريخ ١٥ / ٧ / ٢٠٠٣ بإلغاء الحكم المستأنف وبفسخ عقد الإيجار سند الدعوى.
طعنت الطاعنة فى هذا الحكم بطريق النقض بالطعنين الماثلين ، وقدمت النيابة مـذكـرة أبدت فيها الرأى برفض الطعنين ، وإذ عُرض الطعنان على هذه المحكمة – فى غرفة مشورة – حددت جلسة لنظرهما وفيها التزمت النيابة رأيها .

أسباب الطعن بالنقض : خطأ فى تطبيق القانون والفساد فى الاستدلال

وحيث إن حاصل ما تنعاه الطاعنة بأسباب الطعن على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والفساد فى الاستدلال وفى بيان ذلك تقول إن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإخلاء العين محل النزاع على أنها أرض فضاء تخضع لأحكام القانون المدنى على سند من حجية الحكم النهائى الصادر فى الاستئناف رقم ٢٣٠٤ لسنة ٤١ ق المنصورة – خلافاً للحكم الصادر من محكمة بندر الزقازيق الجزئية عن ذات العين والذى حاز قوة الأمر المقضى – حيث قطع فى أسبابه بأن العين ليست أرض فضاء وإنما مكان مسقوف بما يُخضع العقد لأحكام قوانين إيجار الأماكن مرتباً على ذلك عدم اختصاص المحكمة الجزئية وإحالتها إلى المحكمة الابتدائية فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه .

الطعن سديد وفي محله القانوني

وحيث إن هذا النعى فى محله ، ذلك أن النص فى المادة ١٠١ من قانون الإثبات المقابلة للمادة ٤٠٥ من القانون المدنى على أن ” الأحكام التى حازت قوة الأمر المقضى تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق ، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية … وتقضى المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها ” يُعَدُّ خروجاً على الأصل الذى يعطى لمحكمة الموضوع السلطة التامة فى فهم الواقع فى الدعوى وتقدير أدلتها والموازنة بينها ثم الأخذ بما تقتنع به واطراح ما عداه بأسباب سائغة بما فى ذلك الأدلة التى سبق طرحها فى دعوى سابقة ، لأن تقدير الأدلة فى ذاته لا يحوز حجية ، إلا أن النص ألزم المحكمة – مهما كان اقتناعها – بألا تقضى فى دعوى على خلاف حكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم أنفسهم وحاز قوة الأمر المقضى وذلك حماية للنظام القضائي ومنعاً لتضارب الأحكام وتجديد المنازعات وتأبيدها حسبما أفـصحـت المذكـرة الإيضاحـية للـقـانـون المدنى ، ولـيس لأن الحكم الحائـز عـلى قوة الأمر المقضى
صـحـيـح عـلى سـبـيـل الـحـتم ، وفى ذلك تـقـول الـمـذكـرة الايضاحـية ” إن القـضاة تعوزهم العصمة ، شأنهم فى هذه الناحية شأن البشر كافة ، بيد أن المشرع أطلق قرينة الصحة فى حكم القاضى رعاية لحسن سير العدالة ، واتقاءً لتأبيد الخصومات ” ثم أضافت ” أن هذه الحجية شرعت كفالة لحسن العدالة ، وضمان الاستقرار من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية وهذان الفرضان مجتمعان يتعلقان دون شك بالنظام العام ثم إنها بُنيت على قرينة قاطعة لا يجوز نقض دلالتها بأى دليل عكسى ولو كان هذا الدليل إقراراً أو يميناً ” وكل ذلك لحماية النظام القضائي ومنع تضارب الأحكام ، وهى أمور واجبة ولو جانبت العدالة فى نزاع بذاته ، أما إذا فات هذا الغرض الأصلى بأن صدر حكمان متناقضان فى نزاع بذاته وبين الخصوم أنفسهم وإزاء خلو التشريع والعرف من حكم منظم لتلك الحالة فإنه إعمالاً للفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون المدنى تعين اللجوء لمبادئ الشريعة الإسلامية ومؤداها أنه إذا سقط الأصل يصار إلى البدل ، ولا حجية مع تناقض فإذا تناقض متساويان تساقطا وتماحيا ووجب الرجوع للأصل باسترداد محكمة الموضوع لسلطتها فى الفصل فى النزاع على هدى من الأدلة المطروحة تحقيقاً للعدالة دون تقيد بأى من هذين الحكمين ، وعلى ذلك فلا وجه للرأى الذى يعتد بالحكم الأسبق بمقولة إنه الأولى لأنه لم يخالف غيره ولا للحكم اللاحق لتضمنه نزول المحكوم له عن حقه فى السابق بل الأولى اطراحهما والعودة للأصل بأن يتحرى القاضى وجه الحق فى الدعوى على ضوء الأدلة المطروحة .
لما كان ذلك ، وكان الواقع فى الدعوى المطروحة أن المطعون ضدهما أقاماها أمام محكمة بندر الزقازيق الجزئية بطلب الحكم بفسخ عقد الإيجار المؤرخ ١٠ / ٤ / ١٩٦٠ باعتباره وارداً على أرض فضاء فقضت المحكمة بعدم اختصاصها نوعياً بنظرها وإحالتها إلى المحكمة الابتدائية ، وقطعت فى أسبابها المرتبطة بالمنطوق بأن عقد الإيجار المحرر عن العين محل النزاع وارد على محل يخضع لأحكام قوانين إيجار الأماكـن وصار هذا القضاء نهائياً بعدم الطعن عليه وحاز قوة الأمر المقضى وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن ذات العين أرض فضاء تخضع لأحكام القانون المدنى وليس قانون إيجار الأماكن معتداً بحجية الحكم النهائى الصادر فى الاستئناف رقم ٢٣٠٤ لسنة ٤١ ق المنصورة ورتب على ذلك قضاءه باعتباره الإيجار منعقداً للفترة المعينة لدفع الأجرة وانتهاء العقد بالإنذار المؤرخ ٣١ / ٨ / ١٩٩٧ ، ومن ثم صار أمام محكمة الموضوع حكمان متناقضان فى تحديد طبيعة العين التى ورد عليها العقد المنظم للعلاقة بين الطرفين : هل هى أرض فضاء أم مكان يخضع لقوانـيـن إيجار الأماكــن ، الأمر الذى يوجب عـليها ألا تعـتد بحجية أى منهـما وتسترد كامل سـلـطـتها فى الـفــصل فى النزاع بحسب ما يـُقـدم إليها مـن أدلة دون التقـيد بأى منهـما ، وإذ خـالـف الحكم المطعـون فـيه هـذا النظر وعول فى قضائه على أحدهما دون الآخر فإنه يكون معيباً مما يوجب نقضه.

الحكم 

لـذلك

نـقـضـت الـمـحـكـمـة الـحـكـم المـطـعــون فـيه وأحـالـت الـقـضـية إلى مـحـكـمـة استئناف المنصورة – مأمورية الزقازيق – وألزمت المطعون ضدهما فى كل طعن المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر نائب                  رئيس المحكمة